للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جزاءه وثوابه عندي. وقوله في العيادة: «لوجدتَني عنده»، ولم يقل: لوجدت ذلك عندي، إيذانًا بقُربِه من المريض، وأنّه عنده، لذلِّه وخضوعه، وانكسار قلبه، وافتقاره إلى ربِّه، فأوجب ذلك له وجود الله عز وجل عنده. هذا، وهو فوق سماواته مستوٍ على عرشه بائنٌ من خلقه، وهو عند عبده. فوجودُ العبد ربَّه ظَفَرهُ بالوصول إليه.

والناس ثلاثةٌ: سالكٌ، وواصلٌ، وواجدٌ.

فإن قلت: اضرِبْ لي مثلًا أفهم به معنى الوصول في هذا الباب والوجود.

قلت: إذا بلغَك أنّ بمكان كذا وكذا كنزًا عظيمًا، من ظَفِرَ به أو بشيء منه (١) استغنى غِنَى الدهر، وترحّل عنه الفقر والعُدْم، فتحرّكتْ نفسُه للسير إليه، فأخذ في التأهُّب للمسير (٢)، فلمّا جدَّ به السيرُ انتهى إلى الكنز ووصل إليه، ولكن لم يظفَرْ بتحويله إلى داره وحصولِه عنده بعدُ، فهو واصلٌ غير واجدٍ، والذي في الطريق سالكٌ، والقاعد عن الطلب منقطعٌ، وآخذُ (٣) الكنزِ ــ بحيث حصل عنده، وصار في داره ــ واجدٌ. فهذا المعنى حولَه حام القوم، وعليه دارت إشارتُهم، فعندهم التواجد بدايةٌ، والوجد واسطةٌ، والوجود نهايةٌ.

ومعنى ذلك: أنّه في الابتداء يتكلَّف التواجد، فيقوى عليه حتّى يصير


(١) ت، ر: «بشيء به».
(٢) ت: «للتأهب في المسير».
(٣) ت: «وواجد».

<<  <  ج: ص:  >  >>