للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واجدًا (١)، ثمّ يستغرق في وجده حتّى يصل إلى موجوده.

ويستشكل قول أبي الحسن النُّوريِّ - رحمه الله -: أنا منذ عشرين سنةً بين الوجد والفقد، إذا وجدتُ ربِّي فقدت قلبي، وإذا وجدتُ قلبي فقدت ربِّي (٢). ومعنى هذا: أنّ الوجود الصّحيح يُغيِّب الواجدَ عنه، ويُجرِّده منه، فيفنى بموجوده عن وجوده، وبمشهوده عن شهوده، فإذا وجد الحقيقة غاب عن قلبه وعن صفاته، وإذا غابت عنه الحقيقة بقي مع صفاته. وفي هذا قيل (٣):

وجودي أن أغيبَ عن الوجودِ ... بما يبدُو عليَّ من الشُّهودِ

وما في الوجدِ موجودٌ ولكن ... فخرتُ بوجْدِ موجودِ الوجود

وقد مُثِّل التواجد والوجد والوجود بمشاهدة البحر وركوبه والغرق فيه، فقيل: التّواجد يوجب استيعابَ العبد، والوجد يوجب استغراقَ العبد، والوجود يوجب استهلاك العبد. وهذه عباراتٌ واستعاراتٌ للمراتب الثّلاثة، وهي البداية والتوسُّط والنِّهاية. والسُّلوك والوصول عندهم قصودٌ، ثمّ ورودٌ، ثمّ شهودٌ، ثمّ وجودٌ، ثمّ خمودٌ، فيَقْصِد أوّلًا، ثمّ يَرِد، ثمّ يشهد، ثمّ يجد، ثمّ تَخْمُد نفسُه وتذهبُ بالكلِّيّة.

والوجد ما يرِد على الباطن من الله تعالى يُكسِبه فرحًا أو حزنًا، وهو


(١) ت: «وجدا».
(٢) «الرسالة القشيرية» (ص ٢٤٧).
(٣) البيتان لجنيد في «ذيل تاريخ بغداد» لابن النجار (٣/ ١٢٧). والأول بلا نسبة في «الرسالة القشيرية» (ص ٢٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>