للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المراغمة. ولأجل هذه المراغمة حُمِد التَّبختُرُ بين الصَّفَّين، والخيلاءُ والتَّبخترُ عند صدقة السِّرِّ حيث لا يراه إلّا الله تعالى (١)؛ لما في ذلك من إرغام العدوِّ ببذل محبوبه من نفسه وماله لله. وهذا بابٌ من العبوديّة، ولا يعرفُه ويسلكُه (٢) إلّا القليلُ من النّاس. ومن ذاق لذَّتَه وطعمَه (٣) بكى على أيّامه الأُوَل. وبالله المستعان، وعليه التُّكلان، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

وصاحبُ هذا المقام إذا نظر إلى الشَّيطان، ولاحظَه في الذَّنب، راغَمَه بالتَّوبة النَّصوح، فأحدثت له هذه المراغمةُ عبوديّةً أخرى.

فهذه نبذةٌ من بعض لطائف أسرار التّوبة، لا تَسْتَهِنْ بها، فلعلّك لا تظفر بها في مصنّفٍ البتّة. ولله الحمد والمنَّة، وبه التَّوفيق.

فصل

قال صاحب "المنازل" (٤): (اللّطيفة الثّالثة: أنَّ مشاهدةَ العبدِ الحكمَ لم تدَعْ له استحسانَ حسنةٍ ولا استقباحَ سيِّئةٍ، لصعوده من جميع المعاني إلى معنى الحكم).


(١) يشير إلى حديث جابر بن عتيك - رضي الله عنه -. أخرجه أحمد (٢٣٧٤٧، ٢٣٧٤٨، ٢٣٧٥٠، ٢٣٧٥٢) وأبو داود (٢٦٥٩) والنسائي في "الكبرى" (٢٣٥٠) وفي "المجتبى" (٢٥٥٨) وابن حبان (٢٩٥، ٤٧٦٢) والبيهقي (٧/ ٣٠٨) وغيرهم من طرق يعضد بعضها بعضًا، والحديث حسَّنه الألباني في "إرواء الغليل" (١٩٩٩) و"صحيح أبي داود- الأم" (٧/ ٤١١).
(٢) معطوف على "يعرفه"، يعني: ولا يسلكه.
(٣) ع: "طعمه ولذته".
(٤) "منازل السائرين" (ص ١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>