للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: شهود تقصيره ونقصانه.

والثّاني: صدقُ محبّته. فإنّ المحبّ الصّادق يتقرّب إلى محبوبه بغاية إمكانه، وهو معتذرٌ إليه غاية الاعتذار، مستحيٍ (١) منه أن يواجهه بما واجهه به، يرى أنّ قدْره فوقه وأجلُّ منه. وهذا مُشاهَدٌ في محبّة المخلوقين.

القاعدة الثّانية: استعظام كلِّ ما يصدر منه سبحانه إليك، والاعتراف بأنّه يوجب الشُّكر عليك، وأنّك عاجزٌ عن شكره. ولا يتبيّن هذا إلّا في المحبّة الصّادقة، فإنّ المحبّ يستكثر من محبوبه كلَّ ما يناله. فإذا ذكره بشيءٍ وأعطاه إيّاه كان سروره بذكره له، وتأهيله بعطائه، أعظمَ عنده من سروره بذلك المعطَى، بل يغيب بسروره بذكره له عن سروره بالعطيّة (٢). وإذا كان المحبُّ يسرُّه ذِكرُ محبوبه له وإن نالَه بمساءةٍ، كما قال القائل (٣):

لئن ساءني أن نِلْتِني بمَساءةٍ ... فقد سَرّني أنِّي خَطرتُ ببالك

فكيف إذا ناله محبوبٌ بمسرّةٍ وإن دَقَّتْ، فإنّه لا يراها إلّا جليلةً خطيرةً (٤)؟ فكيف هذا مع أنّ الرّبِّ تعالى لا يأتي منه أبدًا إلّا الخيرُ؟ ويستحيل خلافُ ذلك في حقِّه، كما يستحيل عليه خلافُ كماله. وقد أفصح


(١) ش، د: «يستحق».
(٢) ل: «بالقطيعة»، تحريف.
(٣) هو ابن الدُّمينة، كما في «الحماسة» (٢/ ٦٢)، و «ديوانه» (ص ١٧ - ١٨). وانظر هناك التخريج واختلاف النسبة (ص ٢١٨). وقد ذكره في «روضة المحبين» (ص ١١٣، ٣٠٩).
(٤) ل: «خطرة».

<<  <  ج: ص:  >  >>