للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

قال (١): (وأضعف الصبر الصبر لله، وهو صبر العامَّة. وفوقه الصبر بالله، وهو صبر المريدين. وفوقه الصبر على الله، وهو صبر السالكين).

معنى كلامه: أنَّ صبر العامَّة لله، أي رجاءَ ثوابه وخوفَ عقابه. وصبرَ المريدين بالله، أي بقوَّة الله ومعونته، فهم لا يرون لأنفسهم صبرًا، ولا قوَّةً عليه، بل حالهم التّحقُّق بـ «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» علمًا ومعرفةً وحالًا.

وفوقهما: الصبر على الله، أي على أحكامه، إذ صاحبه يشهد المتصرِّف فيه، فهو يصبر على أحكامه الجارية عليه، جالبةً عليه ما جلبت من محبوبٍ ومكروهٍ؛ فهذه درجة صبر السالكين.

وهؤلاء الثلاثة عنده من العوامِّ، إذ هو في مقام الصبر، وقد ذكر أنَّه للعامَّة وأنَّه من أضعف منازلهم. هذا تقرير كلامه.

والصواب: أنَّ الصبر لله فوق الصبر بالله وأعلى درجةً وأجلُّ، فإنَّ الصبر لله متعلِّق بالإلهيَّة (٢)، والصبر به متعلِّق بربوبيَّته، وما تعلَّق بإلهيَّته أكمل وأعلى ممَّا تعلَّق بربوبيَّته.

ولأنَّ الصبر له عبادة والصبرَ به استعانة، والعبادةُ غاية والاستعانة وسيلة، والغاية مرادةٌ لنفسها والوسيلة مرادةٌ لغيرها.

ولأنَّ الصبر به مشترك بين المؤمن والكافر، والبر والفاجر، فكلُّ من


(١) «المنازل» (ص ٣٩)، و «شرح التلمساني» (ص ٢٢٣) واللفظ له.
(٢) ع: «بإلهيته».

<<  <  ج: ص:  >  >>