كان ابن القيم - رحمه الله - معظِّماً لشيخ الإسلام الهروي، محبًّا له، مقدِّرًا لمواقفه في نصر السنة وإثبات الصفات ومخالفة أهل البدع، معترفًا بعلو منزلته في السير إلى الله. بل عدَّ نفسه مريدا «نفعَه الله بكلامه، وجلس بين يديه مجلس التِّلميذ من أستاذه، وهو أحدُ مَن كان على يديه فتحُه يقظةً ومنامًا»(٢/ ٢٨٣).
فلا غرو أن يكون شيخ الإسلام الهروي حبيبًا إلى ابن القيم، ولكن الحقَّ أحبُّ إليه من شيخ الإسلام (٢/ ٢٦٢). وكما أن زلات الشيخ لا توجب عنده إهدار محاسنه وإساءة الظن به، فكذلك محلُّه من العلم والإمامة والمعرفة والتفقه في السلوك لا يقتضي صرف النظر عن هفواته وسقطاته، إذ كلُّ أحد مأخوذٌ من قوله ومتروكٌ إلا المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه (١/ ٣٠٩). وقد نصَّ في موضع على أن القول لا يُردُّ بمجرد كون المعتزلة قالوه، بل يُقبل الحق ممن قاله ويُردّ الباطل على من قاله (١/ ٤٣١). هذا المنهج السليم في الأخذ والترك والقبول والرد هو الذي سار عليه - رحمه الله - في جميع مصنفاته.
وقد أكد التزامه هذا المنهجَ في مواضع عديدة من هذا الكتاب، منها قوله في باب التوكل:«ولولا أنَّ الحقَّ لله ورسوله، وأنَّ كلَّ من عدا الله ورسوله فمأخوذٌ من قوله ومتروك، وهو عرضة الوهم والخطأ= لما اعترضنا على من لا نلحق غبارهم، ولا نجري معهم في مضمارهم، ونراهم فوقنا في مقامات الإيمان ومنازل السائرين كالنُّجوم الدَّراريِّ».