للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمّا أشاد بذكر محاسن الهروي ومواقفه في نصر السنة قائلًا: «وصاحبُ «المنازل» - رحمه الله - كان شديدَ الإثبات للأسماء والصِّفات مضادًّا للجهميّة من كلِّ وجهٍ. وله كتابُ «الفاروق» استوعَبَ فيه أحاديثَ الصِّفات وآثارَها ولم يُسبَق إلى مثله، وكتابُ «ذمِّ الكلام وأهله» طريقتُه فيه أحسَنُ طريقةٍ. وله كتابٌ لطيفٌ في أصول الدِّين، يسلك فيه طريقةَ أهلِ الإثبات ويقرِّرها. وله مع الجهميّة المقاماتُ المشهورةُ، وسعَوا بقتله إلى السُّلطان مرارًا عديدةً والله يعصمه منهم ... » = كشف عن مذهبه في السلوك بقوله: «ولكن - رحمه الله - طريقتُه في السُّلوك مضادّةٌ لطريقته في الأسماء والصِّفات، فإنّه لا يقدِّم على الفناء شيئًا، ويراه الغايةَ التي يشمِّر إليها السّالكون، والعَلَم الذي يؤمُّه السَّائرون. واستولى عليه ذوقُ الفناء وشهود الجمع، وعظُمَ موقعُه عنده، واتَّسعت إشارتُه إليه، وتنوّعت به الطُّرقُ المُوصِلة إليه علمًا وحالًا وذوقًا، فتضمَّن ذلك تعطيلًا من العبوديَّة باديًا على صفحات كلامه وِزانَ تعطيل الجهميّة لما اقتضته أصولهم من نفي الصِّفات. ولمَّا اجتمع التَّعطيلان لمن اجتمعا له من السّالكين تولَّد منهما القولُ بوحدة الوجود المتضمنَّةِ لإنكار الصّانع وصفاته وعبوديّته. وعصَم الله أبا إسماعيل باعتصامه بطريقة السَّلف في إثبات الصِّفات، فأشرَفَ من عقَبة الفناء على وادي الاتِّحاد، فلم يسلكه. ولوقوفه على عقبته ودعوة الخلق إليها، أقسمَ الاتِّحاديَّةُ بالله جَهْدَ أيمانهم إنّه لمعهم ومنهم، وحاشاه!» (١/ ٤٠٩ - ٤١٠).

وفي موضع آخر أشار إلى أن أبا إسماعيل حاشاه «من إلحاد أهل الاتحاد، وإن كانت عبارته موهمة، بل مفهمة» (١/ ٢٢٩)، وأنه «فتَح للزّنادقة بابَ الكفر والاتِّحاد، فدخلوا منه، وأقسموا بالله جَهْدَ أيمانهم: إنّه

<<  <  ج: ص:  >  >>