للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التذلُّل للأمر: تلقِّيه بذلَّة القبول والانقياد والامتثال، ومواطأة الظاهر الباطن، مع إظهار الضَّعف والافتقار إلى الهداية للأمر قبل الفعل، والإعانةِ عليه حال الفعل، وقبولِه بعد الفعل.

وأمَّا (الاستسلام للحكم)، فيجوز أن يريد به الحكم الدِّيني الشَّرعي، فيكون معناه عدم معارضته برأي أو شهوةٍ؛ وأن يريد به الاستسلام للحكم القدريِّ، وهو عدم تلقِّيه بالتسخُّط والكراهة والاعتراض.

والحقُّ أنَّ الخشوع: الاستسلامُ للحكمين، وهو الانقياد بالمسكنة والذُّلِّ لأمره وقضائه.

وأمَّا (الاتِّضاع لنظر الحقِّ)، فهو اتِّضاع القلب والجوارح وانكسارُها لنظر الربِّ إليها واطِّلاعِه على تفاصيل ما في القلب والجوارح. وهذا أحد التأويلين في قوله تعالى: {(٤٥) وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} [الرحمن: ٤٦]، وقولِه: {(٣٩) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ} [النازعات: ٤٠]، وهو مقام الربِّ على عبده بالاطِّلاع والقدرة والرُّبوبية.

فخوفه من هذا المقام يوجب له خشوع القلب لا محالة، وكلَّما كان أشدَّ استحضارًا له كان أشدَّ خشوعًا، وإنَّما يفارق القلبَ الخشوعُ إذا غفل عن اطِّلاع الله عليه ونظره إليه.

والتأويل الثاني: أنّه مقام العبد بين يدي ربِّه عند لقائه (١).

فعلى الأوَّل يكون من باب إضافة المصدر إلى الفاعل، وعلى الثاني ــ وهو أليق بالآية ــ يكون من باب إضافة المصدر إلى المخوف.


(١) انظر: «زاد المسير» (٨/ ١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>