للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقرونًا بالتّوكُّل على الله. قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: ١٥٩].

والعزم هو: القصد الجازم المتّصل بالفعل، ولذلك قيل: إنّه أوّل الشُّروع في الحركة لطلب المقصود. والتّحقيق: أنّ الشُّروعَ في الحركة ناشئٌ (١) عن العزم، لا أنّه نفسُه، ولكن لمّا اتَّصَل به من غير فصلٍ ظُنَّ أنّه هو. وحقيقته: هو استجماع قوى الإرادة على الفعل.

والعزم نوعان، أحدهما (٢): عزم المريد على الدُّخول في الطّريق، وهذا (٣) من البدايات. والثّاني: عزمٌ في حال السّير، وهو أخصُّ من هذا، وهو من المقامات، وسنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.

وفي هذه المنزلة يحتاج إلى تمييز ما له ممّا عليه، ليستصحِبَ ما له، ويؤدِّيَ ما عليه. وهو المحاسبة، وهي قبل التَّوبة في الرتبة، فإنّه إذا عرَف ما له وما عليه أخَذَ في أداء ما عليه والخروج منه، وهو التّوبة.

وصاحب "المنازل" قدَّم التَّوبةَ على المحاسبة. ووجهُ هذا أنّه رأى التَّوبةَ هي أوّلُ منازل السّائر بعد يقظته، ولا تتمُّ التّوبة إلّا بالمحاسبة، فالمحاسبة تكميل مقام التّوبة. فالمرادُ بالمحاسبة: الاستمرارُ على حفظ التّوبة حتّى لا يخرج عنها، وكأنّه وفاءٌ بعقد التَّوبة.

واعلم أنَّ ترتيبَ هذه المقامات ليس باعتبار أنَّ السَّالكَ يقطع المقامَ ويفارقه وينتقل إلى الثّاني، كمنازل السَّير الحسِّيِّ. هذا محالٌ، ألا ترى أنَّ


(١) رسمه في النسخ: "ناشٍ".
(٢) "أحدهما" ساقط من م، ش.
(٣) ع: "وهو".

<<  <  ج: ص:  >  >>