للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبارة والإشارة.

حقيقتها عندهم: فناء الحدوث في القِدم، واضمحلالُ الرُّسوم في نور الحقيقة التي تظهر لقلوب المحبِّين، فتملك عليها العبارة والإشارة والصِّفة، فلا يقدر المحبُّ أن يُعبِّر عمّا يجده، لأنّ واردَها قد خطفَ فهْمَه، والعبارة تابعةٌ للفهم، فلا يقدر المحبُّ أن يشير إليه (١) أيضًا إشارةً تامّةً.

والعبارة عندهم تحتَ الإشارة وأبعدُ منها، ولذلك جُعِل حظُّها القطع، وحظّ الإشارة الدّفع، فإنّ مقام المحبّة يقبل العبارة. وهذه الدّرجة الثّالثة تقبل إشارةً ما، ولا تقبل عبارةً.

وعندهم: إنّما تمتنع العبارة والإشارة في مقام التّوحيد، حيث لا يبقى للمحبّة رسمٌ ولا اسمٌ ولا إشارةٌ، وهو الغاية عندهم كما سيأتي.

والصّواب: أنّ توحيد المحبّة أكملُ من هذا التّوحيد الذي يشيرون إليه، وأعلى مقامًا، وأجلُّ مشهدًا. وهو مقام الرُّسل والأنبياء وخواصِّ المقرَّبين. وأمّا توحيد الفناء فدونَه بكثيرٍ، وليس ذلك من مقامات الرُّسل والأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام. فإنّ توحيدهم توحيد بقاءٍ ومحبّةٍ، لا توحيد فناءٍ وغَيبةٍ وسُكْرٍ واصطلامٍ.

ولمّا كان المحبُّ عند أرباب الفناء لم يخلُصْ إلى مقام توحيد الفناء بالكلِّيّة، بل رسوم المحبّة معه بعدُ، جعلوا المحبّة هي العقبة التي ينحدر منها إلى أودية الفناء، كما تقدّم.


(١) ت: «إليها».

<<  <  ج: ص:  >  >>