للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصّواب الذي لا ريبَ فيه عند أرباب التّحقيق والبصائر: أنّ لسان المحبّة أتمُّ، ومقامها أكمل، وحالها أشرف، وصاحبها من أهل الصَّحْو بعد السُّكْر، والتّمكين بعد التّلوين، والبقاء بعد الفناء. ولسانه نائبٌ عن كلِّ لسانٍ، وبيانه وافٍ بكلِّ ذوقٍ، ومقامه أعلى من كلِّ مقامٍ. فهو أميرٌ على من دونَه من أرباب المقامات، لأنّ مقامه أميرٌ على المقامات كلِّها.

أميرٌ أميرٌ عليه (١) النَّدى ... جوادٌ بخيلٌ بأن لا يجودا

وأمّا كون نعوت المحبّة لا تتناهى، فلأنَّ لها في كلِّ مقامٍ نسبةً وتعلُّقًا (٢) به، وهي روحُ كلِّ مقامٍ والحاملةُ له، وأقدام السّالكين إنّما تتحرّكُ بها، فلها تعلُّقٌ بكلِّ قدمٍ وحالٍ ومقامٍ، فلا تتناهى نعوتُها البتّة.

فصل

قوله (٣): (وهذه المحبّة هي قطبُ هذا الشّأن. وما دونها مَحابُّ نَادتْ عليها الألسنُ، وادَّعتْها الخليقة، وأوجبتْها العقولُ).

يريد: أنّ مدارَ شأن السّالكين المسافرين إلى الله على هذه المحبّة الثّالثة. وإنّما كان كذلك لخلوصها من الشّوائب والعلل والأغراض، وصاحبها مرادٌ ومجذوبٌ ومطلوبٌ، وما دونَها من المَحابِّ صاحبُها باقٍ مع إرادته من محبوبه. أمّا محبّة الإحسان والأفعال فظاهرٌ، وأمّا محبّة الصِّفات


(١) ش، د، ت: «أمين غلب»، خطأ. والبيت للمتنبي في «ديوانه» (٢/ ٨٧)، والمعنى: أن الممدوح أمير والندى أمير عليه، أي ملك عليه أمره فلا يعصيه.
(٢) ش، د، ت: «وتعلق».
(٣) «المنازل» (ص ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>