للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا المنزل هو منزل الجود والسّخاء والإحسان، وسمِّي بمنزل «الإيثار» لأنّه أعلى مراتبه، فإنّ المراتب ثلاثةٌ (١):

إحداها: أن لا ينقصه البذل، ولا يصعب عليه. فهو منزلة «السّخاء».

الثّانية: أن يُعطي الأكثر، ويُبقي له شيئًا، أو يُبقي مثل ما أعطى. فهو «الجود».

الثّالثة: أن يُؤثِر غيره بالشّيء مع حاجته إليه، فهي مرتبة «الإيثار». وعكسها الأَثَرة، وهو استئثاره عن أخيه بما هو محتاجٌ إليه، وهي المرتبة التي قال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: «إنّكم ستَلْقَون بعدي أَثَرةً، فاصبروا حتّى تَلْقَوني على الحوض» (٢). والأنصار: هم الذين وصفهم الله بالإيثار في قوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩]، فوصفهم بأعلى مراتب السّخاء، وكان ذلك فيهم معروفًا.

وكان قيس بن سعد بن عُبادة من الأجواد المعروفين، حتّى إنّه مرِضَ مرّةً، فاستبطأ إخوانَه في العيادة، فسأل عنهم، فقالوا: إنّهم يَستحْيُون ممّا لك عليهم من الدَّين، فقال: أخزى الله مالًا يمنع الإخوان من الزِّيارة! ثمّ أمر مَن ينادي: من كان لقيسٍ عليه مالٌ فهو منه في حلٍّ. فما أمسى حتّى كُسِرتْ عَتبةُ بابه، لكثرة من عاده (٣).


(١) كذا في النسخ بالهاء. وهذه المراتب مذكورة في «الرسالة القشيرية» (ص ٥٣٦).
(٢) أخرجه البخاري (٤٣٣٠) ومسلم (١٠٦١) من حديث عبد الله بن زيد، وأخرجه البخاري (٣٧٩٢، ٧٠٥٧) ومسلم (١٨٤٥) من حديث أسيد بن حضير، وأخرجه البخاري (٣٧٩٣) ومسلم (١٠٥٩) من حديث أنس بن مالك.
(٣) الخبر في «الرسالة القشيرية» (ص ٥٤٠)، و «المستجاد» للتنوخي (ص ١٣٥). وانظر: «الاستيعاب» (٣/ ١٢٩٣)، و «تاريخ بغداد» (١/ ١٩٠)، و «تاريخ دمشق» (٤٩/ ٤١٨)، و «سير أعلام النبلاء» (٣/ ١٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>