للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورسومٌ تتقاضاها من العبد، ولا تسمح له بتركها إلا بعوضٍ هو أحبُّ إليها من معلومها ورسومها، وأجلُّ عنده (١) منه وأنفع لها، فإذا قوي تعلُّق الرجاءِ بهذا العوض الأفضل والأشرف سمحت الطِّباعُ بترك تلك الرُّسوم وذلك المعلوم، فإنَّ النفس لا تترك محبوبًا إلا لمحبوبٍ هو أحبُّ إليها منه، أو حذرًا من مَخُوفٍ هو أعظمُ مفسدةً لها من حصول مصلحتها بذلك المحبوب. وفي الحقيقة ففرارُها من ذلك المَخُوف إيثارٌ لضدِّه المحبوب لها، فما تركت محبوبًا إلا لِما هو أحبُّ إليها منه؛ فإنَّ من قُدِّم إليه طعام (٢) يضرُّه ويوجب له السقم، فإنَّما يتركه محبةً للعافية التي هي أحبُّ إليه من ذلك الطعام.

قال صاحب «المنازل» (٣): (الدرجة الثانية: رجاء أرباب الرِّياضات أن يبلغوا موقفًا تصفو فيه هممهم برفض الملذوذات، ولزوم شروط العلم، واستقصاء حدود الحِمْية (٤)).

أرباب الرِّياضات (٥) هم المجاهدون لأنفسهم بترك مألوفها (٦) والاستبدالِ بها مألوفاتٍ هي خيرٌ منها وأكمل، فرجاؤهم أن يبلغوا


(١) كذا في النسخ، أي: عند العبد.
(٢) في ع زيادة: «لذيذ».
(٣) (ص ٢٦).
(٤) هذا الضبط مقتضى تفسير المؤلف الآتي للكلمة. وشرحها التلمساني (ص ١٥٦) والكاساني (ص ١٣٥) على أنها «الحميَّة» أي: الأنفة والنخوة.
(٥) ع: «البصائر»، خطأ.
(٦) ع: «مألوفاتها».

<<  <  ج: ص:  >  >>