للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنَّما تستوي النِّعمة والبليَّة عنده في الرِّضا بهما لوجوهٍ:

أحدها: أنه مفوِّض، والمفوِّض راضٍ بكلِّ ما اختاره له مَن فوَّض إليه، ولا سيَّما إذا علم كمال حكمته ورحمته ولطفه وحسن اختياره له (١).

الثاني: أنّه جازمٌ بأنَّه لا تبديل لكلمات الله ولا رادَّ لحكمه، وأنَّه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فهو يعلم أنَّ كلًّا من البليَّة والنِّعمة بقضاءٍ سابقٍ وقدَرٍ حَتْم.

الثالث: أنَّه عبدٌ محض، والعبد المحض لا يتسخَّط جريان (٢) أحكام سيِّده المشفق البارِّ الناصح المحسن، بل يتلقَّاها كلَّها بالرضا به وعنه.

الرابع: أنَّه محبٌّ، والمحبُّ الصادق مَن رضي بما يعامله به حبيبه.

الخامس: أنَّه جاهلٌ بعواقب الأمور، وسيِّده أعلم بمصلحته وما ينفعه.

السادس: أنَّه لا يريد مصلحته من كلِّ وجهٍ ولو عرَفَ أسبابها، فهو جاهل ظالم، وربُّه تعالى يريد مصلحته ويسوق إليه أسبابها، ومِن أعظم أسبابها: ما يكرهه العبد، فإنَّ مصلحته فيما يكرهه أضعافُ (٣) مصلحته فيما يحبُّه. قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢١٦]. وقال تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: ١٩].


(١) من قوله: «مَن فوَّض إليه ... » إلى هنا سقط من ع لانتقال النظر.
(٢) ش: «بجريان».
(٣) ش: «أضعافُ أضعافِ»

<<  <  ج: ص:  >  >>