للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجوده الطّبيعيِّ المشترك بين الموجودات، وتصير له نشأةٌ أخرى لقلبه وروحه، نسبةُ النّشأة الحيوانيّة إليها كنسبة النّشأة في بطن الأمِّ إلى هذه النّشأة المشاهدة في العالم، وكنسبة هذه النّشأة إلى النّشأة الأخرى.

فللعبد أربع نَشَآتٍ: نَشْأةٌ في الرَّحِم، حيث لا بصَرَ يُدرِكه، ولا يدَ تَنالُه. ونشأةٌ في الدُّنيا. ونشأةٌ في البرزخ. ونشأةٌ في المعاد الثّاني. وكلُّ نشأةٍ أعظم من التي قبلها. وهذه النشآت للرُّوح والقلب أصلًا، وللبدن تبعًا.

فللرُّوح في هذا العالم نشأتان. إحداهما: النّشأة الطّبيعيّة المشتركة، والثّانية: نشأةٌ قلبيّةٌ روحانيّةٌ، يُولَد بها قلبه وينفصل من مَشِيمة طبعه، كما وُلِد بدنه (١) وانفصلَ من مَشِيمة البطن.

ومن لم يُصدِّق بهذا فليضرِبْ عن هذا صفحًا، وليشتغلْ بغيره.

وفي كتاب «الزُّهد» للإمام أحمد: أنّ المسيح قال للحواريِّين: إنّكم لن تَلِجُوا ملكوتَ السّماء حتّى تُولَدوا مرّتين (٢).

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هي ولادةُ الأرواح والقلوب من الأبدان، وخروجها من عالم الطّبيعة، كما وُلدت الأبدان من البطن (٣) وخرجتْ منه. والولادة الأخرى هي الولادة المعروفة. والله أعلم.

قوله: (وهو فوق البرق والوجد).

يعني: أنّ هذا الكشف الذي تلاشتْ فيه الرُّسوم فوقَ منزلتَي البرق


(١) ر: «بطنه».
(٢) تقدم. وأورده المؤلف أيضًا في «طريق الهجرتين» (١/ ٢٩، ٣٨١).
(٣) ر: «البدن».

<<  <  ج: ص:  >  >>