للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (لكنّه اسمٌ في هذا المعنى الثّالث، لحين (١) تتلاشى فيه الرُّسوم كشفًا لا وجودًا محضًا).

تَلاشِي الرُّسوم: اضمحلالُها وفناؤها. والرُّسوم عندهم: ما سوى الله. وقد صرّح الشّيخ أنّها إنّما تتلاشى في الكشف لا في الوجود العيني الخارجي، فإنّ تلاشيَها في الوجود خلافُ الحسّ والعيان، وإنما تتلاشى في وجود العبد الكشفيِّ، بحيث لا يبقى فيه سعةٌ للإحساس بها (٢)، لِما استغرقَه من الكشف. فهذه عقيدة أهل الاستقامة من القوم.

وأمّا الملاحدة أهل وحدة الوجود، فعندهم: أنّها لم تزل متلاشيةً في عين (٣) وجود الحقِّ، بل وجودها هو نفس وجوده. وإنّما كان الحسُّ يُفرِّق بين الوجودين، فلمّا غاب عن حسِّه بكشفه تبيّن له أنّ وجودها هو عين وجود الحقِّ.

ولكنّ الشّيخ كأنّه عبّر بالكشف والوجود عن المقامين اللّذين ذكرهما في كتابه، والكشفُ هو دون الوجود عنده، فإنّ الكشف يكون مع بقاء بعض رسوم صاحبه، فليس معه استغراقٌ في الفناء. والوجود لا يكون معه رسمٌ باقٍ، ولذلك قال: لا وجودًا محضًا، فإنّ الوجود المحض عنده يُفنِي الرُّسوم. وبكلِّ حالٍ فهو يُفنِيها من وجود الواجد، لا يُفنيها في الخارج.

وسرُّ المسألة: أنّ الواصل إلى هذا المقام يصير له وجودٌ آخر، غير


(١) ش، د: «فحين».
(٢) ت: «للأشياء برمتها».
(٣) ت: «جنب».

<<  <  ج: ص:  >  >>