للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقيقةَ النّار مساويةً لحقيقة الماء، وحقيقةَ الدَّواء مساويةً لحقيقة الغذاء، ليس في أحدهما خاصِّيّةٌ ولا قوّةٌ يتميَّز بها عن الآخر= لفسد علمُ الطِّبِّ، وبطلت حِكمُ الله (١) تعالى.

بل العالمُ مربوطٌ بالأسباب والقوى والعلل الفاعليّة والغائيّة، وعلى هذا قام الوجودُ بتقدير العزيز العليم. والكلُّ مربوطٌ بقضائه وقدره ومشيئته، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. فإذا شاء سلَب قوّةَ الجسمِ الفاعلِ منه ومنَع تأثيرها، وإذا شاء جعَل في الجسم المنفعل قوّةً تدفعها وتمنع موجَبَها مع بقائها. وهذا لكمال قدرته ونفوذ مشيئته.

والنّاس في الأسباب والقوى والطّبائع ثلاثة أقسامٍ:

منهم: من بالغ في نفيها وإنكارها، فأضحك العقلاءَ على عقله. وزعم أنّه بذلك ينصر الشّرعَ، فجنى على العقل والشّرع، وسلَّط خصمَه عليه.

ومنهم: من ربط العالمَ العلويَّ والسُّفليَّ بها بدون ارتباطها بمشيئة فاعلٍ مختارٍ مدبِّرٍ لها يصرِّفها كيف أراد، فيسلبُ قوّةَ هذا، ويقيم لقوّة هذا قوّةً تعارضه وتكُفُّ (٢) قوّةَ هذا عن التّأثير مع بقائها، ويتصرَّف فيها كما يشاء ويختار.

وهذان طرفان جائران عن الصّواب.

ومنهم: من أثبتها خلقًا وأمرًا، قدرًا وشرعًا، وأنزلها بالمحلِّ الذي أنزلها الله به، من كونها تحت تدبيره ومشيئته، وهي طوعُ المشيئة والإرادة، ومحلُّ


(١) ع: "حكمة الله".
(٢) ج: "يكف".

<<  <  ج: ص:  >  >>