للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

ثمّ أهل مقام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لهم في أفضل العبادة وأنفعها وأحقِّها بالإيثار والتّخصيص أربعة طرق، فهم في ذلك أربعة أصنافٍ:

الصِّنف الأوّل: عندهم أنفَعُ العبادات وأفضَلُها: أشقُّها على النُّفوس وأصعَبُها. قالوا: لأنّه أبعد الأشياء من هواها، وهو حقيقة التّعبُّد. قالوا: والأجر على قدر المشقّة. ورووا حديثًا لا أصل له: "أفضلُ الأعمال أحمَزُها" (١) أي أصعَبُها وأشقُّها.

وهؤلاء هم أهل المجاهدات والجَور على النُّفوس. قالوا: وإنّما تستقيم النُّفوس بذلك، إذ طبعُها الكسل والمهانة والإخلاد إلى الأرض، فلا تستقيم إلّا بركوب الأهوال وتحمُّل المشاقِّ.

الصِّنف الثّاني قالوا: أفضل العبادات وأنفعها: التّجرُّد، والزُّهد في الدُّنيا، والتّقلُّلُ منها غاية الإمكان، واطِّراحُ الاهتمام بها، وعدمُ الاكتراث بكلِّ ما هو منها. ثمّ هؤلاء قسمان:

فعوامُّهم ظنُّوا أنّ هذا غايةٌ، فشمَّروا إليه وعملوا عليه، ودعَوا النَّاس إليه، وقالوا: هو أفضل من درجة العلم والعبادة، فرأوا الزُّهد في الدُّنيا غاية كلِّ عبادةٍ ورأسَها.


(١) ذكره أبو عبيد في "غريب الحديث" (٥/ ٢٤٨) من كلام ابن عباس - رضي الله عنهما - وقال: "يروى هذا عن ابن جريج عمن يحدثه عن ابن عباس". وعنه صدر الهروي في "الغريبين" (٢/ ٤٩٤) ولكنه غلِط فرفعه. وعليه اعتمد ابن الأثير في "النهاية" (١/ ٤٤٠). وانظر: "المقاصد الحسنة" (ص ١٣٠) و"كشف الخفاء" (١/ ١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>