للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كشفِ الذّوق. وهذا صحيحٌ.

ولكنّ جعْلَه الذّوقَ أبقى من الوجد وأعلى منه فيه نظرٌ. وقد يقال: النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - جعل الوجد فوق الذّوق وأعلى منزلةً منه، فإنّه قال: «ثلاثٌ من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان» (١) الحديث، وقال في الذّوق: «ذاقَ طعمَ الإيمان» (٢)، فوَجْدُ حلاوةِ الشّيء المَذُوق أخصُّ من مجرّد ذوقه. ولمّا كانت الحلاوة أخصَّ من الطّعم قرنَ بها الوجْدَ الذي هو أخصُّ من الذّوق، فقرنَ الأخصّ بالأخصِّ والأعمّ بالأعمِّ.

وليس المراد بوجْد حلاوة الإيمان الوجْد الذي هو لهيب القلب، فإنّ ذلك مصدر وَجَدَ بالشّيء وَجْدًا، وإنّما هو من الوجود الذي هو الثُّبوت. فمصدر هذا الفعل: الوُجود والوِجدان، فوجَدَ الشّيء يجده وِجدانًا: إذا حصل له وثبت، كما يجدُ الفاقدُ الشّيءَ الذي فُقِد منه. ومنه قوله تعالى: {شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ} [النور: ٣٩]، وقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ١١٠]، وقوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: ٦ - ٨]، وقوله: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: ٤٤]. فهذا كلُّه من الوجود والثُّبوت، وكذلك قوله: «وجد بهنّ حلاوة الإيمان».

فوجدان الشّيء: ثبوته واستقراره. ولا ريبَ أنّ ذوق طعم الإيمان وجدانٌ له، إذ يمتنع حصول هذا الذّوق من غير وجدانٍ، ولكنّ اصطلاح كثيرٍ


(١) تقدم قريبًا.
(٢) تقدم أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>