للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله: (قالوا: الوقت هو الحقُّ) , يعني أنّ بعضهم (١) أطلقوا اسم الحقِّ على الوقت، ثمّ فسَّر مرادهم بذلك, وأنّهم عَنَوا به استغراقَ رسم (٢) الوقت في وجود الحقِّ. ومعنى هذا: أنّ السّالك بهذا المعنى الثّالث إذا شهدَ استغراقَ وقته في وجود الحق تلاشَى عنده (٣) وقته بالكلِّيّة.

وتقريب هذا إلى الفهم: أنّه إذا شهدَ استغراقَ وقته الحاضر في ماهيّة الزّمان= فقد استغرق الزّمان رسم الوقت الذي هو (٤) جزءٌ يسيرٌ جدًّا من أجزائه، وانغمرَ فيه كما تنغمرُ القطرة في البحر. ثمّ إنّ الزّمان المحدودَ الطّرفين يستغرق رسمه في وجود الدّهر, وهو ما بين الأزل والأبد. ثمّ إنّ الدّهر يستغرق رسمه في دوام الرّبِّ جلّ جلاله, وذلك الدّوام هو صفة الرّبِّ. فهناك يضمحلُّ الدّهر والزّمان والوقت, ولا يبقى له نسبةٌ إلى دوام الرّبِّ جلّ جلاله البتّةَ. فاضمحلّ الزّمان والدّهر والوقت في الدّوام الإلهيِّ (٥)، كما تضمحلُّ الأنوار المخلوقة في نوره، وكما يضمحلُّ علمُ الخلق في علمه، وقدرتُهم (٦) في قدرته، وجمالُهم في جماله، وكلامُهم في كلامه، بحيث لا يبقى للمخلوق نسبةٌ ما إلى صفات الرّبِّ جلّ جلاله.

والقوم إذا أطلق أهل الاستقامة منهم «ما في الوجود إلّا الله» أو «ما ثَمَّ


(١) «بعضهم» ليست في ش.
(٢) ت: «اسم».
(٣) ر: «يتلاشى عنه».
(٤) ر: «إلى ما هو».
(٥) ت: «الآن».
(٦) ت: «وقدرهم».

<<  <  ج: ص:  >  >>