للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيره، وحبُّه عن حبِّ غيره، وخوفُه ورجاؤه عن خوف غيره ورجائه، وكان أنسُه به خاصَّةً= انفصل عن ذكر غيره في حال شغله به سبحانه، إذ ليس فيه اتِّساعٌ لغيره، فانفصل في هذه الحال نظرُه إلى الكونين، وانفصل توقُّفه عليهما، وانفصلت مبالاته بهما ضرًّا أو نفعًا، أو عطاءً أو منعًا.

وهذه الحال لا تدوم له؛ فإذا رجع إلى الكون بحكم طبعه (١) وأنَّه جزءٌ من الكون ذكر الرُّسل والأنبياء والملائكة والأولياء بالتعظيم والاحترام وأحسنِ الذِّكر، وذكر أعداءهم باللعن والطعن وأقبحِ الذِّكر؛ فهذا وظيفته في هذه الحال، وتلك وظيفته في ذلك المقام.

والمقصود: أنَّه انفصالُ شهودٍ في بعض الأحوال، لا انفصال وجودٍ، ولا انفصال شهودٍ دائمًا أبدًا. ولا تلتفت إلى غير هذا، فإنّه خيالٌ ووهم، لا نطيل الكتاب بذكره.

قال (٢): (الثاني: انفصالٌ عن رؤية الانفصال الذي ذكرنا، وهو أن لا يترايا عندك في شهود التحقيق شيءٌ يوصل بالانفصال منها إلى شيءٍ).

إنَّما كانت هذه الدرجة أعلى عنده ممَّا قبلها من حيث كانت الأولى وسيلةً إليها، وكانت هذه غايةً لها ومرتَّبةً عليها، فإنَّ المنفصل من الكونين شغلًا بالله عزَّ وجلَّ قد تسكن نفسه إلى مقامه من الانفصال، ويساكنه بسرِّه وقلبه، ويغيب عنه أنَّه محضُ منَّة الله ومجرَّدُ فضله وعطائه، فيحتاج إلى أن ينفصل عن رؤية انفصاله، ويضيف ذلك إلى أهله ووليِّه المانِّ به.


(١) ت، ر: «طبيعته».
(٢) «المنازل» (ص ١٠٠) و «شرح التلمساني» (ص ٥٥٢) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>