للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه يدخل إلى مقام الإيمان والإحسان، فإنّه إذا تذكَّر أبصرَ الحقيقة، كما قال تعالى: {تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: ٢٠١]. فالتّذكُّر يُوجب التّبصُّر، فيكون له الإيمان بعد التّبصُّر ذوقًا وعيانًا.

ولهذا قال بعده: {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩)} [ص: ٤٩ - ٥٠]. فالتّذكُّر بهذا الذِّكر الذي قصَّه الله يُشهِد صاحبَه الإيمانَ بالمعاد، وما أعدَّ الله لأوليائه عند لقائه، فيصير إيمانهم بذلك ذوقًا لا خبرًا محضًا، لأنّه (١) نشأ عن تذكُّرِهم بذكره سبحانه، وتأمُّلِهم حقائقَه وأسراره وما فيه من الهدى والبيان. فالتّذكُّر سبب الذّوق. والله أعلم.

فصل

قال (٢): (الذّوق أبقى من الوجد، وأجلى من البرق).

يريد به: أنّ منزلة الذّوق أثبت وأرسخُ من منزلة الوجد، وذلك أنَّ أثر الذّوق يبقى في القلب، ويطول بقاؤه، كما يبقى أثر ذوق الطّعام والشّراب في القوّة الدافعة (٣)، ويبقى على البدن والرُّوح. فإنّ الذّوق مباشرةٌ كما تقدّم، والوَجْد عند الشّيخ لهيبٌ يتأجَّجُ من شهودِ عارضٍ مُقْلِقٍ، فهو عنده من العوارض كالهَيَمان والقَلق، فإنّه ينشأ من مكاشفةٍ لا تدوم، فلذلك جعله أبقى من الوجد.

وأمّا قوله: (وأجلى من البرق)، فإنّ البرق أسرعُ انقضاءً، وكشفه دون


(١) ش، د: «لا».
(٢) «المنازل» (ص ٧٩).
(٣) كذا في ش، د. وفي ت، المطبوع: «الذائقة».

<<  <  ج: ص:  >  >>