للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: صبر العابدين أحسنه أن يكون محفوظًا، وصبر المحبِّين أحسنه أن يكون مرفوضًا، كما قيل (١):

تبيَّن يوم البين أنَّ اعتزامه ... على الصبر من إحدى الظُّنون الكواذب

والشكوى إلى الله عزَّ وجلَّ لا تنافي الصبر، فإنَّ يعقوب عليه السلام وعد بالصبر الجميل، والنبيُّ إذا وعد لا يخلف، ثمَّ قال: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِيَ إِلَى اللَّهِ} [يوسف: ٨٦]. وكذلك أيُّوب أخبر الله عنه أنَّه وجده صابرًا مع قوله: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: ٨٣].

وإنّما ينافي الصبر شكوى الله، لا الشكوى إلاه. كما رأى بعضهم رجلًا يشكو إلى آخر فاقةً وضرورةً، فقال: يا هذا، تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك؟ ثمَّ أنشده (٢):

وإذا عرتك بليَّةٌ فاصبر لها ... صبرَ الكريم فإنَّه بك أعلم

وإذا شكوت إلى ابن آدم إنَّما ... تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

فصل

قال صاحب «المنازل» (٣): (الصبر: حبس النفس على المكروه، وعقل


(١) «القشيرية» (ص ٤٤٦). والبيت للأمير عبد الله بن طاهر في «ذيل أمالي القالي» (ص ٤٩) و «الأغاني» (٥/ ٤٢٧) و «تاريخ دمشق» (٢٩/ ٢١٨، ٢٣٨).
(٢) الخبر مع البيتين في «طريق الهجرتين» (١/ ١٣٥). والبيتان في «عيون الأخبار» (٢/ ٢٦٠) مع اختلاف كبير في لفظ الأول. ونُسبا في «الكشكول» (١/ ٧٤) إلى علي زين العابدين.
(٣) (ص ٣٨)، و «شرح التلمساني» (ص ٢١٩) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>