للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هاهنا قال من قال من النُّحاة: إنّ "إيّا" اسمٌ ظاهرٌ مضافٌ إلى الضّمير المتّصل (١)، ولم يُردَّ عليه بردٍّ شافٍ. ولولا أنّا في شأنٍ وراء هذا لأشبعنا الكلام في هذه المسألة، وذكرنا مذاهب النُّحاة فيها، ونصرنا الرّاجح. ولعلَّ أن نعطِفَ على ذلك بعون الله.

وفي إعادة "إيّاك" مرّةً أخرى دلالةٌ على تعلُّق هذه الأمور بكلِّ واحدٍ من الفعلين، ففي إعادة الضّمير من قوّة الاقتضاء لذلك ما ليس في حذفه. فإذا قلت لملكٍ مثلًا: إيّاك أحبُّ، وإيّاك أخاف، كان فيه من اختصاص الحبِّ والخوف بذاته والاهتمام بذكره ما ليس في قولك: إيّاك أحبُّ وأخاف.

فصل

إذا عُرِف هذا، فالنّاس في هذين الأصلين ــ وهما العبادة والاستعانة ــ أربعة أقسامٍ:

أجلُّها وأفضلها: أهل العبادة والاستعانة بالله عليها، فعبادة الله غاية مرادهم، وطلبُهم منه أن يعينهم عليها ويوفِّقهم للقيام بها. ولهذا كان من أفضل ما يُسأل الرّبُّ تبارك وتعالى الإعانة على مرضاته. وهو الذي علَّمه النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لحِبِّه معاذ بن جبلٍ، فقال: "يا معاذ، والله إنِّي أحبُّك (٢)، فلا تنسَ أن تقول في دبر كلِّ صلاةٍ: اللهمّ أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" (٣).


(١) ذهب إليه الخليل، ونصره السيرافي في "شرح كتاب سيبويه" (٢/ ١٧٧ - ١٧٨). وانظر: "المنصف" لابن جني (ص ١٢١) و"نتائج الفكر" للسهيلي (ص ١٥٧).
(٢) ع: "لأحبك".
(٣) أخرجه أحمد (٢٢١١٩، ٢٢١٢٦) والبخاري في "الأدب المفرد" (٦٩٠) وأبو داود (١٥٢٢) والنسائي في "الكبرى" (١٢٢٧، ٩٨٥٧) وفي "المجتبى" (١٣٠٣) وغيرهم من حديث معاذ بن جبل. والحديث صححه ابن خزيمة (٧٥١) وابن حبان (٢٠٢٠، ٢٠٢١) والحاكم (١/ ٢٧٣، ٣/ ٢٧٣) والحافظ في "نتائج الأفكار" (٢/ ٢٩٧) والألباني في "صحيح أبي داود ــ الأم" (٥/ ٢٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>