للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني أنّ للمريدين درجتين أُخريين من الورع فوق هذه، ثمَّ ذكرهما فقال (١): (الدرجة الثانية: حفظ الحدود عند ما لا بأس به إبقاءً على الصِّيانة والتّقوى، وصعودًا عن الدَّناءة، وتخلُّصًا عن اقتحام الحدود).

يقول: إنَّ من صعد عن الدرجة الأولى إلى هذه الدرجة من الورع فهو يترك (٢) كثيرًا ممَّا لا بأس به من المباح إبقاءً على صيانته، وخوفًا عليها أن يتكدَّر صفوُها ويطفأ نورُها، فإنَّ كثيرًا من المباح يكدِّر صفو الصِّيانة، ويُذهب بهجتها، ويطفئ نورها، ويُخْلِق حُسنَها وبهجتَها.

وقال لي يومًا شيخ الإسلام ابن تيميّة ــ قدّس الله روحه ــ في شيءٍ من المباح: هذا ينافي المراتب العالية وإن لم يكن تركه شرطًا في النَّجاة. أو نحو هذا من الكلام.

فالعارف يترك كثيرًا من المباح إبقاءً على صيانته، ولا سيَّما إذا كان ذلك المباح برزخًا بين الحلال والحرام، فإنَّ بينهما برزخًا كما تقدَّم، فتَرْكُه لصاحب هذه الدرجة كالمتعيِّن الذي لابدَّ منه لمنافاته لدرجته.

والفرق بين صاحب الدرجة الأولى وصاحب هذه: أنّ ذاك يسعى في تحصيل الصِّيانة، وهذا يسعى في حفظِ صفوها أن يتكدَّر ونورِها (٣) أن


(١) «المنازل» (ص ٢٤).
(٢) الأصل، ل: «ترك».
(٣) كذا في ع، وإليه أُصلح النص في ل. وفي سائر النسخ: «وتقرُّرها»، وقد سبق على الصواب قريبًا في سياق مشابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>