للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمّا الاحتباس في بَيْداء قيدِ التّجريد: فهو تجريد الفردانيّة أن يشهد معها غيرَها، وهو الفناء عن شهود السِّوى. وسُمِّي ذلك احتباسًا لأنّه منع نفسَه عن شهودِ الأغيار، وجعلَ للتّجريد قيدًا، وهو التّقيُّد بشهود الحقيقة.

وجعل للقيد بيداء لوجهين:

أحدهما: أنّ الأغيار تبيد فيه وتنعدم، ولا يكون معه سواه.

والثّاني: لسعته وفضائه, فصاحبُ مشهدِه في بيداءَ واسعةٍ وإن احتبسَ في قيد شهوده.

وقوله: (وهذا فقر الصُّوفيّة)، قد يُفهم منه: أنّ التّصوُّف أعلى عنده من الفقر، فإنّ هذه الدّرجة الثّالثة ــ التي هي أعلى درجات الفقر عنده ــ هي من بعض مقامات الصُّوفيّة.

وطائفةٌ تنازعه في ذلك، وتقول: التّصوُّف دون هذا المقام بكثيرٍ، والتّصوُّف وسيلةٌ إلى هذا الفقر. فإنّ التّصوُّف خلقٌ، وهذا الفقر حقيقةٌ، وغايةٌ لا غايةَ وراءها (١).

وقد تقدّم ذكر الخلاف بين القوم في هذه المسألة، وحكينا فيها ثلاثة أقوالٍ: هذين، والثّالث: إنّه لا يُفضَّل أحدهما على الآخر، فإنّ كلّ واحدٍ منهما لا يتمُّ حقيقته (٢) إلّا بالآخر. وهذا قول الشّاميِّين. والله أعلم (٣).

* * * *


(١) ش، د: «وراءه».
(٢) ش، د: «حقيقة».
(٣) «والله أعلم» ليست في د. وانظر (ص ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>