للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

قال (١): (وهي محبّةٌ تَنبُتُ من مطالعة المِنَّة. وتَثبُت باتِّباع السُّنّة، وتَنمُو على الإجابة بالفاقة) (٢).

قوله: (تنبت من مطالعة المنّة) (٣)، أي تنشأ من مطالعة العبدِ منَّةَ الله عليه، ونِعمَه الباطنةَ والظّاهرة، فبقدر مطالعته ذلك تكون قوّة محبته. فإنّ القلوب مجبولةٌ على حبِّ من أحسنَ إليها، وبُغضِ من أساء إليها. وليس للعبد قطُّ إحسانٌ إلّا من الله، ولا إساءةٌ إلّا من الشّيطان.

ومن أعظم مطالعة منّة الله على عبده: منَّةُ تأهيلِه لمحبّته ومعرفته، وإرادةِ وجهه، ومتابعةِ حبيبه. وأصلُ هذا نورٌ يَقذِفه الله في قلب العبد، فإذا دارَ ذلك النُّورُ في قلبِ العبد وذاتِه أشرقَتْ له ذاتُه، فرأى فيه نفسَه، وما أُهِّلتْ له من الكمالات والمحاسن، فعَلَتْ به همَّتُه، وقوِيَتْ عزيمتُه، وانقشَعَتْ عنه ظلماتُ نفسِه وطبعِه. لأنّ النُّور والظُّلمة لا يجتمعان إلّا ويَطْرُد أحدُهما صاحبَه، فرَقِيَتِ الروحُ (٤) حينئذٍ بين الهيبة والأنس إلى الحبيب الأوّل.

نَقِّلْ فؤادَك حيث شئتَ من الهوى ... ما الحبُّ إلّا للحبيبِ الأوّلِ

كم منزلٍ في الأرض يَألَفُه الفتى ... وحَنينُه أبدًا لأوّلِ منزلِ (٥)


(١) «المنازل» (ص ٧٢).
(٢) في «المنازل»: «للفاقة».
(٣) «المنة» ليست في ش، د.
(٤) «الروح» ليست في ش.
(٥) البيتان لأبي تمام في «ديوانه» (٤/ ٢٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>