للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس المقصود بحث هذه المسألة، فإنّها بعيدةٌ عمّا نحن فيه، وهي من وظائف أرباب الجدل والكلام والفلسفة، لا من وظائف أرباب القلوب والمعاملات، فهؤلاء هِمَمُهم أن يجدوا مطلوبهم ويَظْفَروا به، وأولئك شاكُّون في وجوده: هل هو عين ماهيّته أو زائدٌ على ماهيّته؟ وهل هو وجود مجرَّد مطلقٌ لا يُضاف إليه وصفٌ ولا اسمٌ؟ أم وجودٌ خاصٌّ تُضاف إليه الصِّفات والأسماء؟ فهؤلاء في وادٍ وهؤلاء في وادٍ.

وأعظم الخلق كفرًا وضلالًا: من زعم أنَّه (١) نفسُ وجودِ هذه الموجودات، وأن عين وجوده فاض عليها فاكتست من وجوده، فاتّخذ حجابًا من أعيانها، واكتست جلبابًا من وجوده. ولُبِّس عليهم ما لُبِّس على ضعفاء العقول والبصائر من عدم التفريق بين وجود الحقِّ سبحانه وإيجاده، وأنّ إيجاده هو الذي فاض عليها، وهو الذي اكتسته (٢)، وأمّا وجوده فمختصٌّ به لا يشاركه فيه غيره، كما هو مختصٌّ بماهيّته وصفاته، فهو بائنٌ عن خلقه، والخلق بائنون عنه، فوجودُ ما سواه مخلوقٌ كائنٌ بعد أن لم يكن، حاصلٌ بإيجاده له، فهو الذي أعطى كلّ شيءٍ خَلْقه ووجودَه المختصَّ به، وبان بذاته وصفاته ووجوده عن خلقه.

فصل

قوله: (الوجود: اسمٌ للظّفر بحقيقة الشيء)، هذا الوجود الذي هو مصدر وجد الشيء يجده وجودًا، ووجد ضالّته وجدانًا. وفي «الصِّحاح» (٣):


(١) أي: أنّ وجود الله ...
(٢) ت: «اكتسبته».
(٣) مادة (وجد).

<<  <  ج: ص:  >  >>