للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن هذه الأسباب العشرة وصَلَ المحبُّون إلى منازل المحبّة، ودخلوا على الحبيب. ومِلاكُ ذلك كلِّه أمران: استعداد الرُّوح لهذا الشّأن، وانفتاح عين البصيرة. وبالله التّوفيق.

فصل

والكلام في هذه المنزلة يتعلق بطرفين: طرف محبّة العبد لربِّه، وطرف محبّة الرّبِّ لعبده. والنّاس في إثبات ذلك ونفيه أربعة أقسامٍ:

فأهلٌ يحبُّهم ويحبُّونه على إثبات الطّرفين، وأنّ محبّة العبد لربِّه فوق كلِّ محبّةٍ تُقدَّر، ولا نسبة لسائر المَحابِّ إليها، وهي حقيقة لا إله إلّا الله. وكذلك عندهم محبّةُ الرّبِّ لأوليائه وأنبيائه ورسله صفةٌ زائدةٌ على رحمته وإحسانه وعطائه، فإنّ ذلك أثر المحبّة ومُوجَبها، فإنّه لما أحبَّهم كان نصيبُهم من رحمته وإحسانه وبرِّه أتمَّ نصيبٍ.

والجهميّة المعطِّلة عكس هؤلاء، فإنّه عندهم لا يُحِبُّ ولا يُحَبُّ. ولم يُمكِنهم تكذيب النُّصوص، فأوّلوا نصوص محبّة العباد له على محبّة طاعته وعبادته، والازدياد من الأعمال لينالوا بها الثّواب. وإن أطلقوا عليهم لفظ المحبّة فلِما ينالون به من الثّواب والأجر. والثّوابُ المنفصل عندهم هو المحبوب لذاته، والرّبُّ تعالى محبوبٌ لغيره حبَّ الوسائل.

وأوّلوا نصوص محبّته لهم بإحسانه إليهم وإعطائهم الثّواب، وربّما أوّلوها بثنائه عليهم ومدحه لهم ونحو ذلك، وربّما أوّلوها بإرادته لذلك. فتارةً يؤوِّلونها بالمفعول المنفصل، وتارةً يؤوِّلونها بنفس الإرادة.

ويقولون: الإرادة إن تعلّقتْ بتخصيص العبد بالأحوال والمقامات العليّة سُمِّيت محبّةً، وإن تعلّقتْ بالعقوبة والانتقام سُمِّيت غضبًا، وإن

<<  <  ج: ص:  >  >>