للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن علاماتها: جمودُ العين، واستمرارُ الغفلة، وأنه لم يَستحدِثْ بعد التّوبة أعمالًا صالحةً لم تكن له قبلُ.

فالتّوبة المقبولة الصّحيحة لها علاماتٌ:

منها: أن يكون بعد التّوبة خيرًا ممّا كان قبل الخطيئة.

ومنها: أنّه لا يزال الخوف مصاحبًا له، لا يأمن طرفةَ عينٍ. فخوفُه مستمرٌّ إلى أن يسمع قولَ الرُّسل لقبض روحه: {أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: ٣٠]، فهناك يزول الخوف.

ومنها: انخلاعُ قلبه، وتقطُّعُه ندَمًا وخوفًا. وهذا على قدر عِظَمِ الجناية وصِغَرِها. وهذا تأويل ابن عيينة لقوله تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: ١١٠] قال: تقطُّعها بالتّوبة (١). ولا ريب أنَّ الخوفَ الشّديدَ من العقوبة العظيمة يُوجِب انصداعَ القلب وانخلاعَه، وهذا هو تقطُّعُه، وهذا حقيقةُ التَّوبة، لأنّه يتقطَّع قلبُه حسرةً على ما فرَط منه، وخوفًا من سوء عاقبته. فمن لم يتقطَّع قلبُه في الدُّنيا على ما فرَّط (٢) حسرةً وخوفًا، تقطَّع في الآخرة إذا حقَّت الحقائقُ، وعاين ثوابَ المطيعين، وعقابَ العاصين. فلا بدَّ من تقطُّعِ القلب إمّا في الدُّنيا وإمّا في الآخرة.

ومن موجَبات التّوبةِ الصّحيحةِ أيضًا: كَسْرةٌ خاصَّةٌ تحصل للقلب لا


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٦/ ١٨٨٦)، وانظر: "معاني الزجاج" (٢/ ٤٧٠)، و"النكت والعيون" (٢/ ٤٠٥).
(٢) بعده في ش، ع زيادة "من"، وقد استدركت في حاشية م يعني: "فرَطَ منه".

<<  <  ج: ص:  >  >>