للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا اتِّهامُ التّوبة، فلأنّها حقٌّ عليه، ولا يتيقَّن أنّه أدَّى هذا الحقَّ على الوجه المطلوب منه، الذي ينبغي له أن يؤدِّيه عليه، فيخاف (١) أنّه ما وفَّاها حقَّها، وأنّها لم تُقبَل منه، وأنّه لم يبذل جهدَه في صحّتها، أو أنَّها توبةُ علَّةٍ وهو لا يشعر بها، كتوبة أرباب الجوائح والإفلاس، والمحافظين على جاهاتهم ومنازلهم بين النّاس، أو أنّه تاب محافظةً على حاله، فتاب للحال لا خوفًا من ذي الجلال، أو أنّه تاب طلبًا للرَّاحة من الكدِّ في تحصيل الذَّنب، أو إبقاءً على عِرضه وماله ومنصبه، أو لضعفِ داعي المعصية في قلبه وخمودِ نار شهوته، أو لمنافاة المعصية لما يطلبه من العلم والرِّزق، ونحو ذلك من العلل التي تقدَح في كونِ التَّوبةِ خوفًا من الله تعالى، وتعظيمًا له ولحرماته، وإجلالًا له، وخشيةً من سقوط المنزلة عنده ومن البعد والطّرد عنه والحجاب عن رؤية وجهه في الدّار الآخرة. فهذه التّوبةُ لونٌ، وتوبةُ أصحاب العلل لونٌ (٢).

ومن اتِّهام التّوبة أيضًا: ضعفُ العزيمة، والتفاتُ القلب إلى الذَّنب اللَّفْتَةَ بعد اللَّفْتةِ (٣)، وتذكُّر حلاوة مواقعته، فربَّما تنفَّسَ، وربَّما هاج هائجُه.

ومن اتِّهام التّوبة: طمأنينتُه ومعرفتُه من نفسه بأنّه قد تاب، حتّى كأنّه قد أُعطِيَ منشورًا بالأمان! فهذا من علامات التُّهمة.


(١) ش: "يخاف". وقد وضع عليه بعضهم في ل علامة اللحق بحيث يشطب أوله، ثم كتب في الهامش: "إلا بأن" مع علامة "صح"، يعني: "إلا بأن يخاف".
(٢) وانظر ما سيأتي في (ص ٤٧٨).
(٣) طمس بعضهم في ل لام التعريف من اللَّفتتين. وفي م، ع: "الفينة بعد الفينة". وفي ش: "الهينة بعد الهينة"، تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>