للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ولأنّ العبادة شكرُ نعمته عليك، والله يحبُّ أن يُشْكَر؛ والإعانةُ فعلُه بك "وتوفيقُه لك. فإذا التزمتَ عبوديّته، ودخلتَ تحت رقِّها أعانك عليها. فكان التزامُها والدُّخولُ تحت رقِّها سببًا لنيل الإعانة. وكلَّما كان العبد أتمَّ عبوديّةً كانت إعانة الله له أعظم. والعبوديّةُ محفوفةٌ بإعانتين: إعانةٍ قبلها على التزامها والقيام بها، وإعانةٍ بعدها على عبوديّةٍ أخرى. وهكذا أبدًا، حتّى يقضي العبد نحبه.

- ولأنّ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} له، و {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} به. وما له مقدَّمٌ على ما به، لأنّ ما له متعلِّقٌ بمحبّته ورضاه، وما به متعلِّقٌ بمشيئته. وما تعلَّق بمحبّته أكملُ ممّا تعلَّق بمجرَّد مشيئته. فإنَّ الكونَ كلَّه متعلِّقٌ بمشيئته: الملائكةُ (١) والشّياطينُ، والمؤمنون والكفّار، والطّاعاتُ والمعاصي. والمتعلِّقُ بمحبّته طاعاتُهم وإيمانُهم. والكفَّارُ (٢) أهل مشيئته، والمؤمنون أهل محبّته. ولهذا لا يستقرُّ في النّار شيءٌ لله (٣) أبدًا، وكلُّ ما فيها فإنَّه به وبمشيئته.

فهذه الأسرار يتبيّن بها حكمة تقديم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

وأمّا تقديم المعبود والمستعان على الفعلين، ففيه أدبُهم مع الله بتقديم اسمه على فعلهم. وفيه الاهتمام وشدّة العناية به. وفيه الإيذان بالاختصاص المسمَّى بالحصر، فهو في قوّة "لا نعبد إلّا إيّاك، ولا نستعين إلّا بك".


(١) ع: "والملائكة".
(٢) ع: "فالكفار".
(٣) ش: "لله شيء".

<<  <  ج: ص:  >  >>