ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة الرِّعاية. وهي مراعاة العلم وحفظه بالعمل، ومراعاة العمل بالإحسان والإخلاص وحفظه من المفسدات، ومراعاة الحال بالموافقة وحفظه بقطع التفرُّق؛ فالرِّعاية صيانةٌ وحفظٌ.
ومراتب العلم والعمل ثلاثة: روايةٌ، وهي مجرَّد النّقل وحمل المرويِّ. ودرايةٌ، وهي فهمه وتعقُّل معناه. ورعايةٌ، وهي العمل بموجب ما علمه ومقتضاه. فالنقَلة همَّتهم الرِّواية، والعلماء همَّتهم الدِّراية، والعارفون همَّتهم الرِّعاية.
وقد ذمَّ الله تعالى من لم يرعَ ما اختاره وابتدعه من الرهبانيَّة حقَّ رعايته، فقال تعالى:{ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ}[الحديد: ٢٧].
{مَا} منصوبٌ بـ {كَتَبْنَاهَا} على الاشتغال، إمَّا بنفس الفعل المذكور على قول الكوفيِّين، وإمَّا بمقدَّرٍ محذوفٍ مفسَّرٍ بهذا المذكور على قول البصريِّين، أي: وابتدعوا رهبانيّةً.
وليس منصوبًا بوقوع الجعل عليه، فالوقف التامُّ عند قوله:{وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً}، ثمّ يبتدئ:{مَا كَتَبْنَاهَا} أي: لم يَشْرَعها لهم، بل هم ابتدعوها من عند أنفسهم، ولم يكتبها عليهم.