للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتأويل الثالث: أنّ هذا من باب النّفي، أي كما أنّك لا تعرف نفسك التي هي أقرب الأشياء إليك، فلا (١) تعرف حقيقتها، ولا ماهيَّتها ولا كيفيَّتها، فكيف تعرف حقيقة ربّك وكيفيّة صفاته؟

والمقصود: أنَّ في هذا المشهد يعرِف العبد أنَّه عاجزٌ ضعيفٌ، فتزول عنه رعونات الدّعاوي، والإضافات إلى نفسه، ويعلم أنّه ليس له من الأمر شيءٌ وليس بيده شيء، إن هو إلّا محض الفقر والعجز والضَّعف.

فصلٌ

فحينئذٍ يطلع منه على المشهد الثاني عشر، وهو مشهد الذُّلِّ والانكسار والخضوع والافتقار للربِّ جلّ جلاله، فيشهد في كلِّ ذرّةٍ من ذرّاته الباطنة والظّاهرة ضرورةً تامّةً وافتقارًا تامًّا إلى ربِّه ووليِّه، ومن بيده صلاحُه وفلاحه، وهداه وسعادته، وهذه الحال التي تحصل لقلبه لا تنال العبارة (٢) حقيقتها، وإنّما تُدرك بالحصول، فيحصل لقلبه كسرةٌ خاصّةٌ لا يشبهها شيء، بحيث يرى نفسه كالإناء المرضوض تحت الأرجل، الذي لا شيء فيه، ولا به ولا منه، ولا فيه منفعة، ولا يُرغَب في مثله، وأنّه لا يصلح للانتفاع إلّا بجبرٍ جديدٍ من صانعه وقيِّمه، فحينئذٍ يستكثر في هذا المشهد ما مِن ربِّه إليه من الخير، ويرى أنَّه لا يستحقُّ منه قليلًا (٣) ولا كثيرًا، فأيُّ خيرٍ ناله من الله تعالى استكثره على نفسه، وعلم أنّ قدره دونه، وأنّ رحمة ربِّه اقتضت ذكره به


(١) في الأصل وغيره: «ولا»، ولعل المثبت من ع أشبه.
(٢) ش: «العبد»، تصحيف.
(٣) ع: «قليلًا منه»، تقديم وتأخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>