للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقصد: أنَّ هذا الفرحَ له شأنٌ لا ينبغي للعبد إهمالُه والإعراضُ عنه، ولا يطَّلع عليه إلّا مَن له معرفةٌ خاصَّةٌ بالله وأسمائه وصفاته وما يليق بعزِّ جلاله.

وقد كان الأولى بنا طيَّ الكلام فيه إلى ما هو اللّائقُ بأفهام بني الزَّمان وعلومهم، ونهايةِ أقدامهم من المعرفة، وضعفِ عقولهم عن احتماله؛ غير أنّا نعلم أنَّ الله سيسوقُ هذه البضاعةَ إلى تُجَّارها ومَن هو عارفٌ بقدرها، وإن وقعت في الطّريق بيد من ليس عارفًا بها، فرُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ، ورُبَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه (١).

فاعلم أنَّ الله سبحانه (٢) اختصَّ نوعَ الإنسان من بين خلقه بأن كرَّمه وفضَّلَه وشرَّفَه، وخلَقه لنفسه، وخلَق كلَّ شيءٍ له، وخصَّه من معرفته ومحبّته وقربه وإكرامه بما لم يعطه غيرَه، وسخَّر له ما في سماواته وأرضه وما بينهما، حتّى ملائكته الذين هم أهلُ قربه، واستخدمهم له، وجعلهم حَفَظةً له في منامه ويقظته وظعنه وإقامته، وأنزل إليه وعليه كتبَه، وأرسله (٣) وأرسل إليه، وخاطَبه وكلَّمه منه إليه، واتّخذ منهم الخليل والكليم، والأولياءَ والخواصَّ والأحِبَّاءَ، وجعلهم معدنَ أسراره ومحلَّ حكمته وموضعَ حبِّه، وخلق لهم الجنّة والنّار. فالخلقُ والأمرُ والثّوابُ والعقابُ مدارهُ على النَّوع الإنسانيِّ، فإنّه خلاصةُ الخلق، وهو المقصودُ بالأمر والنّهي، وعليه الثَّوابُ والعقابُ.


(١) "منه" ساقط من ش.
(٢) بعده في ج: "وله الحمد".
(٣) ج، م، ش: "ورسله". وكان في ل كما أثبت من الأصل فطمس بعضهم الهمزة.

<<  <  ج: ص:  >  >>