للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقلبه وروحه.

ومنهم: من سيره بقلبه أغلبُ عليه، أعني قوّة سيره وحِدَّته.

ومنهم ــ وهم الكمّل الأقوياء ــ: من يعطي كلَّ مرتبةٍ حقّها، فيسير إلى الله ببدنه وجوارحه، وقلبه وروحه.

وقد أخبر الله سبحانه عن صفوة أوليائه بأنّهم في مقام الإرادة له، فقال: {(٥١) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: ٥٢]. وقال: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: ١٩]. فالعبد أخصُّ أوصافِه وأعلى مقاماتِه: أن يكون مريدًا صادقَ الإرادة، عبدًا في إرادته، بحيث يكون مراده تبعًا لمراد ربِّه الدِّينيِّ منه، ليس له إرادةٌ في سواه.

وقد يُحمَل كلامُه (١) على معنًى آخر، وهو أن يكون معنى قوله: (إنّ ملاحظة الجمع تُوقِظ للاستهانة بالمجاهدات): أنّه يُوقِظه من نوم الاستهانة بالمجاهدات، وتكون اللّام للتّعليل، أي تُوقِظه من سِنَة التّقصير لاستهانته بالمجاهدات. وهذا معنًى صحيحٌ في نفسه، فإنّ العبد كلّما كان إلى الله أقرب كان جهاده في الله أعظم. قال تعالى: {فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ} [الحج: ٧٨].

وتأمَّلْ أحوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فإنّهم كانوا كلَّما تَرقَّوا من القرب في مقامٍ عظُمَ جهادهم واجتهادهم. لا كما ظنَّه بعض الملاحدة المنتسبين إلى الطّريق، حيث قال (٢): القرب الحقيقيُّ يَنقُل العبد من الأعمال (٣) الظّاهرة إلى


(١) ر، ت: «كلام الشيخ».
(٢) هو التلمساني في «شرحه» (ص ٤٥٣).
(٣) ر: «الأحوال».

<<  <  ج: ص:  >  >>