للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمشهد هؤلاء من حركات النفس الاختيارية الموجِبة للجنايات كمشهدهم من حركات الطبيعة الاضطرارية الموجِبة للتغيُّرات (١)، وليس لهم مشهدٌ وراء ذلك.

فصل

المشهد الثالث: مشهد أصحاب الجبر، وهم الذين يشهدون أنهم مُجبَرون (٢) على أفعالهم، وأنها واقعة بغير قدرتهم، بل لا يشهدون أنها أفعالهم البتَّة، ويقولون: إنَّ أحدهم غير فاعلٍ في الحقيقة ولا قادرٍ، وأنَّ الفاعل فيه غيرُه والمحرِّك له سواه، وأنَّه آلة محضة، وحركاته بمنزلة هبوب الرِّياح وحركات الأشجار.

وهؤلاء إذا أنكرت عليهم أفعالهم احتجُّوا بالقدر وحملوا ذنوبهم عليه، وقد يغلون في ذلك حتى يروا أفعالَهم كلَّها طاعاتٍ، خيرَها وشرَّها، لموافقتها المشيئةَ والقدر، ويقولون: كما أنَّ موافقة الأمر طاعة، فموافقة المشيئة (٣) طاعة، كما حكى الله تعالى عن المشركين إخوانِهم أنَّهم جعلوا مشيئته (٤) تعالى لأفعالهم دليلًا على أمره بها ورضاه بها (٥). وهؤلاء شرٌّ من


(١) ع: «للتغييرات».
(٢) ج، ن، ع: «مجبورون».
(٣) ج، ن: «الأمر»، خطأ.
(٤) ع: «مشيئة الله».
(٥) وذلك في قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} الآية [الأنعام: ١٤٨]، وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} الآية [النحل: ٣٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>