للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكثر ما يطلق في اصطلاح القوم: على من انتقل إلى مقام البقاء بعد الفناء، وهو الوصول عندهم، وحقيقته: ظفَرُ العبد بنفسه، وهو أن تَتوارى عنه أحكام البشريّة بطلوع شمس الحقيقة واستيلاءِ سلطانها، فإذا دامت له هذه الحال أو غلبتْ عليه فهو صاحب تمكينٍ.

قال صاحب «المنازل»: (التّمكُّن فوق الطُّمأنينة، وهو إشارة إلى غاية الاستقرار). إنّما كان فوق الطُّمأنينة لأنّها تكون مع نوعٍ من المنازعة، فيطمئنُّ القلب إلى ما يسكنه، وقد يتمكّن فيه وقد لا يتمكّن، ولذلك كان التّمكُّن هو غاية الاستقرار، وهو تفعُّلٌ من المكان، فكأنّه قد صار مقامه مكانًا لقلبه قد تبوّأه منزلًا مستقرًّا.

قال (١): (وهو على ثلاث درجاتٍ. الدّرجة الأولى: تمكُّن المريد؛ وهو أن يجتمع له صحّةُ قصدٍ تُسيِّره، ولمعُ شهودٍ يحمله، وسعةُ طريقٍ تُروِّحه).

المريد في اصطلاحهم: هو الذي قد شرع في السّير إلى الله، وهو فوق العابد ودون الواصل، وهذا اصطلاحٌ بحسب حال السّالكين، وإلّا فالعابد مريدٌ، والسّالك مريدٌ، والواصل مريدٌ، فالإرادة لا تُفارِقُ العبدَ ما دام تحت حكم العبوديّة.

وقد ذكر الشّيخ للتّمكُّن في هذه الدّرجة ثلاثة أمورٍ: صحّة قصدٍ، وصحّة علمٍ، وسعة طريقٍ، فبصحّة القصد يصحُّ سيره، وبصحّة العلم ينكشف له الطّريق، وبسعة الطّريق يَهُون عليه السّير. وكلُّ طالب أمرٍ من الأمور فلا بدّ له من تعيُّن مطلوبِه وهو المقصود، ومعرفةِ الطّريق المُوصِل إليه، والأخذِ في


(١) «المنازل» (ص ٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>