للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالاستغراقُ والفناءُ في شهود هذا القدر غايتُه التّحقيقُ لتوحيد الرُّبوبيّة الذي أقرَّ به المشركون ولم يدخلوا به في الإسلام. وإنّما الشّأنُ في توحيد الإلهيّة الذي دعت إليه الرُّسلُ، ونزلت (١) به الكتبُ، وتميَّزَ به أولياءُ الله من أعدائه، وهو أن لا يُعبَد إلّا الله، ولا يُحَبَّ سواه، ولا يُتوكَّلَ على غيره. والفناء في هذا التّوحيد هو فناء خاصَّة المقرَّبين، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

فصل

إذا عُرِفَ مرادُ القوم بالفناء، فنذكر أقسامه، ومراتبه، وممدوحه ومذمومه ومتوسِّطه.

فاعلم أنَّ الفَناءَ مصدرُ فنيَ يفنى فَناءً، إذا اضمحلَّ وتلاشى وعُدِمَ. وقد يُطلقَ على ما تلاشت قواه وأوصافه مع بقاء عينه، كما قال الفقهاء: لا يُقتَل في المعركة شيخٌ فانٍ. وقال تعالى: {(٢٥) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا} [الرحمن: ٢٦] أي هالكٌ ذاهبٌ. ولكنَّ القومَ اصطلحوا على وضع هذه اللّفظة لتجريد شهودِ الحقيقة الكونيّة، والغَيبةِ عن شهود الكائنات.

وهذا الاسم يُطلَق على ثلاثة معانٍ: الفناء عن وجود السِّوى، والفناء عن شهود السِّوى، والفناء عن إرادة السِّوى (٢).


(١) ع: "أنزلت".
(٢) تكلم المؤلف على المعاني الثلاثة للفناء في "طريق الهجرتين" (٢/ ٥٦٥ - ٥٦٩) أيضًا، ومبنى كلامه على قاعدة شيخه في الفناء والبقاء، وهي مطبوعة ضمن "جامع المسائل" (٧/ ١٥٩ - ١٩٧). وانظر أيضًا: "الرد على الشاذلي" (ص ١٥٠ - ١٥٥)، و"الرد على المنطقيين" (ص ٥١٧ - ٥٢١)، و"مجموع الفتاوى" (١٠/ ٢١٨ - ٢٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>