للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك هذا الحياء يكفُّ العبد أن يشتكي إلى غير الله، فيكون قد شكا الله إلى خلقه. ولا يمنع الشكوى إليه سبحانه، فإنَّ الشكوى إليه فقرٌ وذلٌّ وفاقةٌ وعبوديَّة، فالحياء منه (١) لا ينافيها.

فصل

قال (٢): (الدرجة الثانية: حياءٌ يتولَّد من النظر في علم القرب، فيدعوه إلى ركوب المحبَّة، ويربطه بروح الأنس، ويكرِّه إليه ملابسة الخلق).

النَّظر في علم القرب: تحقُّق القلب بالمعيَّة الخاصَّة مع الله، فإنَّ المعيَّة نوعان: عامَّةٌ، وهي معيَّة العلم والإحاطة، كقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: ٤]، وقولِه: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: ٧].

وخاصَّةٌ: وهي معيَّة القرب، كقوله: {(١٢٧) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ} [النحل: ١٢٨]، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ} [البقرة: ١٥٣]، {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: ٦٩]؛ فهذه معيَّة قربٍ تتضمَّن الموالاة والنصر والحفظ.

وكلا المعيَّتين مصاحَبةٌ منه للعبد، لكنَّ هذه مصاحبة اطِّلاعٍ وإحاطة، وهذه مصاحبة موالاةٍ ونصرٍ وإعانة. فـ «مع» في لغة العرب للصُّحبة اللائقة، لا تُشعر بامتزاجٍ ولا اختلاطٍ، ولا مجاورةٍ ولا مجانبةٍ. فمن فهم منها شيئًا من


(١) زاد في ع: «في مثل ذلك»، إقحام يفسد المعنى.
(٢) «المنازل» (ص ٤٢) و «شرح التلمساني» (ص ٢٣٨) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>