للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: ١١٠]. بل حقيقة هذا الحدِّ: انتفاءُ تعلُّق المعرفة بأكثر المخلوقات حتَّى بأظهرها، وهو الشمس والقمر، بل لا يصحُّ أن يعرف أحدٌ نفسه وذاته البتَّة.

والفرق بين العلم والمعرفة عند أهل هذا الشأن: أنَّ المعرفة عندهم هي العلم الذي يقوم العالم بموجَبه ومقتضاه، فلا يطلقون المعرفة على مدلول العلم وحده، بل لا يصفون بالمعرفة إلَّا من كان عالمًا بالله، وبالطريق المُوصِل إليه، وبآفاتها وقواطعها، وله حالٌ مع الله يشهد له بالمعرفة.

فالعارف عندهم من عرف الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله، ثمَّ صدق الله في معاملاته، ثمَّ أخلص له في قصوده ونيَّاته، ثمَّ (١) انسلخ من أخلاقه الرديَّة وآفاته، ثمَّ تطهَّر مِن أوساخه وأدرانه ومخالفاته، ثمَّ صبر على أحكامه في نِعَمه وبليَّاته، ثمَّ دعا إليه على بصيرةٍ بدينه وآياته، ثمَّ جرَّد الدعوة إليه وحده بما جاء به رسوله، ولم يَشُبها بآراء الرِّجال وأذواقهم ومواجيدهم ومقاييسهم ومعقولاتهم، ولم يزن بها ما جاء به الرسول عليه من الله أفضل صلواته (٢)؛ فهذا الذي يستحقُّ اسم العارف على الحقيقة، إذا سمِّي به غيره على الدعوى والاستعارة.

وقد تكلَّموا على «المعرفة» بآثارها وشواهدها، فقال بعضهم: من أمارات المعرفة بالله حصول الهيبة منه، فمن ازدادت معرفتُه ازدادت هيبتُه.

وقال أيضًا: المعرفة توجب السُّكون، فمن ازدادت معرفته ازدادت


(١) ساقطة من ش، د.
(٢) زيد في هامش ش: «وأكمل تحياته».

<<  <  ج: ص:  >  >>