للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا فليست الصِّفات مغايرةً للذات. ويراد بالغيرين: ما جاز العلم بأحدهما دون الآخر، فيفترقان في الوجود الذهنيِّ، لا في الوجود الخارجيِّ، فالصِّفات غير الذات بهذا الاعتبار، لأنَّه قد يقع الشُّعور بالذات حال ما يغفل عن صفاتها، فتتجرَّدُ عن صفاتها في شعور العبد، لا في نفس الأمر.

وقوله: (مع إسقاط التفريق بين الصِّفات والذات)، التفريق بين الذات والصِّفات في الوجود مستحيل، وهو ممكنٌ في الشُّهود بأن يشهد الصِّفة ويذهل عن شهود الموصوف، أو يشهد الموصوف ويذهل عن شهود الصِّفة، فتجريد الذات أو الصِّفات إنَّما يمكن في الذِّهن. فالمعرفة في هذه الدرجة تعلَّقت بالذات والصِّفات جميعًا، فلم يفرِّق العلمُ والشهودُ بينهما، ولا ريب أنَّ ذلك أكمل من شهود مجرَّد الصِّفة أو مجرَّد الذات.

ولا يريد الشيخ أنَّك تسقط التفريق بين الذات والصِّفات في الخارج والعلم بحيث تكون الذات هي نفس الصفات (١)، فهذا لا يقوله الشيخ. وإن كان كثيرٌ من أرباب الكلام يقولون: إنَّ الصِّفات هي الذَّات، فليس مرادهم أنَّ الذات نفسها صفةٌ، فهذا لا يقوله عاقلٌ، وإنّما مرادهم أنَّ صفاتها ليست شيئًا غيرها. فإن أراد هؤلاء أنَّ مفهوم الصِّفة هو (٢) مفهوم الذات، فهو مكابرةٌ. وإن أرادوا أنَّه ليس هاهنا أشياء غير الذات انضمَّت إليها وقامت بها، فهذا حقٌّ.

والتحقيق: أنَّ صفاتِ الربِّ ــ جلَّ جلاله ــ داخلةٌ في مسمَّى اسمه، فليس


(١) ر: «تكون الصفات هي نفس الذات».
(٢) ش، د: «معنى».

<<  <  ج: ص:  >  >>