للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلِّها، وهو أزيَدُ من الرِّبح المتقدِّم. فإذا كان هذا حالَ من أعرض، فكيف مَن عصى وأذنب؟ وفي هذا الوجه كفايةٌ.

فصل

وطائفةٌ رجَّحت التّائبَ، وإن لم تنكر كونَ الأوّل أكثرَ حسناتٍ منه. واحتجَّت بوجوهٍ:

أحدها: أنَّ عبوديّةَ التَّوبة من أحبِّ العبوديّات إلى الله وأكرمِها عليه، فإنّه سبحانه يحبُّ التّوّابين. ولو لم تكن التَّوبةُ أحبَّ الأشياء إليه لما ابتلى بالذَّنب أكرمَ الخلقِ عليه. فلمحبّته لتوبة عبده ابتلاه بالذَّنب الذي يُوجِب وقوعَ محبوبه من التَّوبة، وزيادةَ محبَّتِه لعبده، فإنَّ للتّائبين عنده محبّةً خاصّةً. يوضِّح ذلك:

الوجه الثّاني: أنَّ للتَّوبة عنده سبحانه منزلةً ليست لغيرها من الطَّاعات. ولهذا يفرح سبحانه بتوبة عبده حين يتوب (١) أعظمَ فرحٍ يقدَّر، كما مثَّلَه النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بفرح الواجد لراحلته التي عليها طعامُه وشرابُه في الأرض الدَّوِّيَّةِ المهلكة، بعد ما فقدها وأيِسَ من أسباب الحياة (٢). ولم يجئ هذا الفرحُ في شيءٍ من الطَّاعات سوى التَّوبة. ومعلومٌ أنَّ لهذا الفرح تأثيرًا عظيمًا في حال التّائب وقلبه، ومزيدُه لا يعبَّر عنه. وهو من أسرار تقدير الذُّنوب على العباد، فالعبدُ ينال بالتَّوبة درجةَ المحبوبيَّة، فيصير حبيبًا لله، فإنَّ الله يحبُّ التَّوَّابين ويحبُّ العبدَ المفتَّنَ التَّوَّابَ (٣). يوضِّحه:


(١) في ع بعده زيادة: "إليه".
(٢) تقدَّم تخريجه (ص ٣٢٧).
(٣) كما ذكر في حديث تقدَّم تخريجه (ص ٤٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>