للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: الغرق أخصُّ بنهاية المقام من توسُّطه؛ لأنّه استغراقٌ فيه بحيث يَستفرغ قلْبَه وهمّه، فكيف جعله الشّيخ توسُّطًا فيه؟

قلت: لمّا كانت همّةُ الطّالب في هذه الحال مجموعةً على المقصود، وهو معرضٌ عمّا سواه، قد فارق مقامَ التّفرقة، وجاوزَ حدَّها إلى مقام الجمع، فابتدأ في المقام، وأوّلُ كلِّ مقامٍ يُشبِه آخرَ الذي قبله، فلمّا توسّطَ فيه استغرق قلبه وهمّه وإرادته، كما يَغرَقُ من توسّطَ اللُّجّةَ فيها قبل وصوله إلى آخرها.

قوله (١): (وهو على ثلاث درجاتٍ؛ الدّرجة الأولى: استغراق العلم في عين الحال، وهذا رجلٌ قد ظَفِرَ بالاستقامة، وتحقَّقَ في الإشارة، فاستحقَّ صحّةَ النِّسبة).

هذه الدّرجة التي بدأ بها هي أوّل درجاته؛ وقد يكون عالمًا بالشّيء ولا يكون متّصفًّا بالتّخلُّق به واستعماله، فالعلم شيءٌ والحال شيءٌ آخرٌ. فعلمُ العشق والصِّحَّة والسُّكر (٢) والعافية غيرُ حصولها والاتِّصال بها، فإذا غلب عليه حال تلك المعلومات صار علمه بها كالمغفول عنه، وليس بمغفولٍ عنه، بل صار الحكم للحال.

فإنّ العبد يعرف الخوف من حيث العلم، ولكن إذا اتّصف بالخوف وباشر الخوفُ قلبَه غلبَ عليه حال الخوف والانزعاج (٣)، واستغرق علمه في حاله، فلم يذكر علمه لغلبة حالِه عليه.


(١) «المنازل» (ص ٨٩).
(٢) ش، ر: «والشكر»، والمثبت أقرب للسياق.
(٣) ش، د: «والانزاع»، ولم يتبيَّن وجهه، ولعله تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>