وإثباتُها له على وجه التَّفصيل كما أثبتها لنفسه وأثبتها له رسلُه منزَّهةً عن التّعطيل والتّحريف والتّكييف والتّمثيل. بل تُثْبَتُ له حقائقُ الأسماء والصِّفات، وتُنفَى عنه فيها مماثلةُ المخلوقات: إثباتٌ بلا تمثيلٍ، وتنزيهٌ بلا تحريفٍ ولا تعطيلٍ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ}[الشورى: ١١].
وفي هذا النَّوع يكون إفرادُه سبحانه بعموم قضائه وقدره لجميع المخلوقات ــ أعيانها وصفاتها وأفعالها ــ وأنَّها كلَّها واقعةٌ بمشيئته وقدرته وعلمه وحكمته. فيباين صاحبُ هذا الإفراد سائرَ فِرَق أهل الباطل من الاتِّحاديّة، والحلوليّة، والجهميّة والفرعونيّة الذين يقولون: ليس فوق السّماوات ربٌّ يعبد، ولا على العرش إلهٌ يصلّى له ويُسْجَد (١)،والقدريّة الذين يقولون: إنّ الله لا يقدر على أفعال العباد من الملائكة والإنس والجنِّ، ولا على أفعال سائر الحيوانات، بل يقع في ملكه ما لا يريد، ويريد ما لا يكون. فيريد شيئًا فلا يكون، ويكون الشيءُ بغير إرادته ومشيئته.
فصل
والنّوع الثّاني من الإفراد: إفرادُ القديم عن المحدَثِ بالعبادة من التّألُّه، والحُبِّ، والخوف، والرَّجاء، والتّعظيم، والإنابة، والتّوكُّل، والاستعانة، وابتغاء الوسيلة إليه.
فهذا الإفراد، وذلك الإفراد: بهما بُعثت الرُّسل، وأُنزلت الكتب، وشُرِعت الشَّرائع. ولأجل ذلك خُلِقت السّماوات والأرض والجنّة والنّار، وقام الثَّوابُ والعقابُ. فيُفرَدُ القديمُ سبحانه عن المحدَث في ذاته وصفاته
(١) العبارة «الذين يقولون ... ويسجد» أيضًا شطبها بعضهم في ش.