للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا جميعُ شواهد الصِّفات، وما ذكرناه أدنى تنبيهٍ عليها (١)، فالكشف والعيان والمشاهدة لا تتجاوز هذه الشّواهدَ البتّةَ. فلنرجِعْ إلى شرح كلامه.

فقوله في الدّرجة الثّانية: (إنّها معاينة عين القلب، وهي معرفة الشّيء على نعته)، لا يريد به معرفته على نعته الذي هو عليه في الخارج من كلِّ وجهٍ، فإنّ هذا ممتنعٌ على معرفة ما في الآخرة من المخلوقات، كما قال ابن عبّاسٍ: ليس في الدُّنيا ممّا في الآخرة إلّا الأسماء (٢)، فكيف بمعرفة ربِّ الأرض والسموات؟ وغايةُ المعرفة: أن يتعلَّق به على نعته على وجهٍ مجملٍ أو مفصّلٍ تفصيلًا من بعض الوجوه.

قوله: (علمًا يقطع الرِّيبة، ولا تَشُوبه حَيرةٌ)، هذا حقٌّ، فإنّ المعرفة متى شَابَها ريبةٌ أو حيرةٌ لم تكن معرفةً صحيحةً، كما أنّ رؤية العين لو شَابَها ذلك لم تكن رؤيةً تامّةً، فالمعرفة ما قطعَ الشّكَّ والرِّيبة والوساوس.

قوله: (والمعاينة الثّالثة: معاينةُ عين الرُّوح، وهي التي تُعايِن الحقَّ عيانًا محضًا).

إن أراد بالحقِّ ضدَّ الباطل، أي: تعاين ما هو حقٌّ، بحيث ينكشف لها كما ينكشف المرئيُّ للبصر= فصحيحٌ. وإن أراد بالحقِّ الرّبَّ تبارك وتعالى، فإن لم يُحمَلْ كلامُه على قوّة اليقين، ومزيد الإيمان، ونزول الرُّوح في مقام


(١) ت: «عليه».
(٢) أخرجه مسدّد كما في «المطالب العالية» (٥٢٠٢)، وهنّاد في «الزهد» (٣، ٨)، والطبري في «تفسيره» (١/ ٤١٦)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (١/ ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>