للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقلَها عن غير العلماء، فقال: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: ٤٣].

فاعلم أنَّ العبدَ قبل وصول الدّاعي إليه في نوم الغفلة، قلبُه نائمٌ وطرفُه يقظان، فصاح به النّاصح، وأسمَعَه داعي النَّجاح، وأذَّن به مؤذِّنُ الرَّحمن: حَيَّ على الفلاح.

فأوّل مراتب هذا النّائم: اليقظة والانتباه من النَّوم. وقد ذكرنا أنّها انزعاجُ القلب لروعة الانتباه (١).

وصاحب "المنازل" يقول (٢): (هي القومة لله المذكورة في قوله: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} [سبأ: ٤٦]). قال: (القومةُ لله هي: اليقظةُ من سنة الغفلة، والنُّهوضُ عن ورطة الفترة. وهي أوّلُ ما يستنير (٣) قلبُ العبد بالحياة لرؤية نور التّنبيه. وهي ثلاثة أشياء: لحظُ القلب إلى النِّعمة على اليأسِ من عدِّها والوقوفِ على حدِّها، والتّفرُّغُ إلى معرفة المنّة بها، والعلمُ بالتّقصير في حقِّها).

وهذا الذي ذكره هو موجَبُ اليقظة وأثرُها، فإنّه إذا نهض من ورطة الغفلة، واستنار قلبُه برؤية نور التّنبيه، أوجب له ذلك ملاحظةَ نعم الله الباطنة والظّاهرة. وكلّما حدَّقَ قلبَه وطرفَه فيها شاهد عِظَمَها (٤) وكثرتَها، فيئس من


(١) انظر ما سبق في (ص ١٨٨).
(٢) "منازل السائرين" (ص ٨).
(٣) ق، ج: "يستبشر"، تصحيف. وأخشى أن يكون الإعجام في ق بخط بعض القراء.
(٤) في ق وضع بعضهم بعد الميم نقطتين ليقرأ: "عظمتها" كما في ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>