أرَتْهم نجومُ اللّيل ما يطلبونه ... على عاتقِ الشِّعرى وهَامِ النَّعائمِ
فأَمُّوا حِمًى لا ينبغي لسواهمُ ... وما أخذتْهم فيه لَومةُ لائم
فهؤلاء هِمَّتُهم مصروفةٌ إلى المسير، وقُواهم موقوفةٌ عليه من غير تنبُّهٍ منهم إلى المقصود الأعظم والغاية العليا.
والطّائفة الخامسة: أخذوا في الجِدِّ في السير، وهمّتُهم متعلِّقةٌ بالغاية، فهم في سيرهم ناظرون إلى المقصود بالسير، فكأنّهم يشاهدونه من بُعدٍ وهو يدعوهم إلى نفسه وإلى بلاده، وهم عاملون على هذا الشّاهد الذي قام بقلوبهم.
وعملُ كلِّ أحدٍ على قَدْرِ شاهدِه. فمن شاهدَ (١) المقصودَ بالعمل في علمه كان نصحُه فيه وإخلاصه وتحسينه وبذلُ الجهد فيه أتمَّ ممّن لم يلاحظه، ولم يجد من مَسِّ التّعب والنّصب ما يجده الغائب. والوجود شاهدٌ بذلك، فمن عمل عملًا لِمَلِكٍ بحضرته وهو شاهده= ليس حاله كحالة مَن عمل في غَيبته وبُعدِه عنه، وهو غير متيقِّنٍ بوصوله إليه.
وقوله:(ويُصحِّح همّةَ القاصد).
أي: ويُصحِّح له صفاءُ هذا العلم همّتَه، ومتى صحّت الهمّة علَتْ وارتفعت، فإنّ سُفولَها ودناءتها من علَّتها وسَقَمها، وإلّا فهي كالنّار تطلب الصُّعود والارتفاع ما لم تُمنع.
وأعلى الهمم همّةٌ اتّصلتْ بالحقِّ طلبًا وقصدًا، وأوصلت الخلقَ إليه دعوةً ونصحًا، وهذه همّة الرُّسل وأتباعهم. وصحّتُها: بتجريدها من انقسام