للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الطّائفة غلب عليها داعي الحسِّ والطّبع على داعي العقل.

والطّائفة الثّانية: لمّا رأت حالَ الرُّسل، وما هم فيه من البهجة وحسن الحال، وعلموا صدقهم= تأهَّبوا للمسير إلى بلاد الملك، فأخذوا في السَّير، فعارضهم أهلُهم وأصحابهم وعشائرهم من القاعدين، وعارضَتْهم مساكنُهم ودورهم وبساتينهم، فجعلوا يُقدِّمون رِجلًا ويؤخِّرون أخرى، فإذا تذكّروا طيبَ بلاد الملك وما فيها من سلوة العيش تقدَّموا نحوها، وإذا عارضهم ما أَلِفوه واعتادوا من ظلال بلادهم وعيشها وصحبةِ أهلهم وأصحابهم تأخّروا عن المسير، والتفتوا إليهم. فهم دائمًا بين الدّاعيَيْنِ والجاذبينِ، إلى أن يغلب أحدهما ويقوى على الآخر، فيصيرون إليه.

والطّائفة الثّالثة: ركبتْ ظهورَ عزائمها، ورأتْ أنّ بلاد الملك أولى بها، فوطَّنتْ أنفسَها على قصدها، ولم يَثْنِها لومُ اللُّوّام. لكن في سيرها بطءٌ بحسب ضعفِ ما كُشِف لها من أحوال تلك البلاد وحال الملك.

والطّائفة الرّابعة: جدّتْ في المسير وواصلتْه، فسارت سيرًا حثيثًا. فهم كما قيل (١):

ورَكْبٍ سَرَوْا واللّيلُ مُرْخٍ سُدُولَه (٢) ... على كلِّ مُغْبَرِّ المطالعِ (٣) قاتمِ

حَدَوا عَزَماتٍ ضاعتِ الأرضُ بينها ... فصار سُراهم في ظُهورِ العزائمِ


(١) الأبيات للشريف الرضي في «ديوانه» (٢/ ٣٨٢) ببعض الاختلاف. وأنشدها المؤلف في «روضة المحبين» (ص ١٠)، و «الفوائد» (ص ٦٢).
(٢) في ش فوق الكلمة: «رواقه». وكذا أنشده المؤلف في المصدرين السابقين.
(٣) في هامش ش: «الموارد» بعلامة صح. وكذا في «روضة المحبين».

<<  <  ج: ص:  >  >>