للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وباشر الأسباب التي تُفضي به إلى ضدِّ هذه الحال، ورأى العزَّ بعد الذُّلِّ، والغنى بعد الفقر، والسُّرور بعد الحزن، والأمن بعد الخوف، والقوّة في قلبه بعد ضعفه ووهنه= ازداد إيمانًا مع إيمانه، فتَقْوى شواهدُ الإيمان في قلبه وبراهينُه وأدلَّتُه في حال معصيته وطاعته، فهذا من الذين يكفِّرُ الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون.

وصاحب هذا المشهد متى تبصَّر فيه وأعطاه حقَّه صار من أطبَّاء القلوب العالمين بدائها ودوائها، فنفعه الله في نفسه، ونفع به من شاء من خلقه.

فصل

المشهد العاشر: مشهد الرّحمة، فإنَّ العبد إذا وقع في الذّنب خرج من قلبه تلك الغلظة والقسوة والكيفيّة الغضبيَّة التي كانت عنده لمن صدر منه ذنبٌ، حتّى لو قَدَر عليه لأهلكه، وربما دعا الله عليه أن يُهلكه ويأخذه، غضبًا منه لله وحرصًا على أن لا يُعصى، فلا يجد في قلبه رحمةً للمذنبين (١) الخطَّائين، ولا يراهم إلّا بعين الاحتقار والازدراء، ولا يذكرهم إلّا بلسان الطّعن فيهم والعيب لهم والذّمِّ.

فإذا جرت عليه المقادير وخُلِّي ونفسَه استغاث بالله والتجأ إليه، وتململ بين يديه تململ السَّليم (٢)، ودعاه دعاء المضطرِّ، فتبدّلت تلك الغلظة على المذنبين رقّةً، وتلك القساوة (٣) على الخطَّائين رحمةً (٤)، مع


(١) ج، ن: «للمؤمنين».
(٢) السليم: اللَّديغ، سمّي ذلك تفاؤلًا بالسلامة.
(٣) ج، ن: «القسوة».
(٤) في ع زيادة: «ولينًا».

<<  <  ج: ص:  >  >>